ممّا أوتي ، فقد صغّر عظيما وعظّم صغيرا» (١). وتأوّل سفيان بن عيينة هذه الآية بقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «ليس منّا من لم يتغنّ بالقرآن» أي لم يستغن (٢).
وقال ابن [عبّاس](٣) ـ رضي الله عنهما ـ : «لا تمدّنّ عينيك» ، أي لا تتمنّ ما فضلنا به أحدا من متاع الدّنيا (٤).
وقرّر الواحديّ هذا المعنى فقال : «إنّما يكون مادّا عينيه إلى الشيء ، إذا أدام النّظر نحوه ، وإدامة النّظر إلى الشّيء تدلّ على استحسانه ، وتمنّيه ، وكان النبي صلىاللهعليهوسلم لا ينظر إلى ما يستحسن من متاع الدنيا».
وروي أنه صلىاللهعليهوسلم «نظر إلى نعم بني المصطلق ، وقد [عبست](٥) في أبوالها ، وأبعارها ؛ فتقنّع في ثوبه ؛ وقرأ هذه الآية» (٦).
قوله : «عبست في أبوالها وأبعارها» هو أن تجف أبعارها ، وأبوالها على أفخاذها ، إذا تركت من العمل أيّام الربيع ؛ فيكثر شحومها ، ولحومها ، وهي أحسن ما تكون.
قوله : (أَزْواجاً مِنْهُمْ).
قال ابن قتيبة : أي أصنافا من الكفّار ، والزّوج في اللغة : الصّنف (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) ؛ لأنهم لم يؤمنوا ، فيتقوى بإسلامهم ، ثم قال عزوجل (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ).
الخفض : معناه في اللغة : نقيض الرفع ، ومنه قوله تعالى في وصف القيامة (خافِضَةٌ رافِعَةٌ) [الواقعة : ٣] ، أي : أنّها تخفض أهل المعاصي ، وترفع أهل الطّاعة ، وجناح الإنسان: يده.
قال الليث ـ رضي الله عنه ـ : يد الإنسان : جناحه ، قال تعالى : (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) [القصص : ٣٢] ، وخفض الجناح كناية عن اللّين ، والرّفق ، والتّواضع ، والمقصود : أنه نهاه عن الالتفات إلى الأغنياء من الكفار ، وأمره بالتّواضع لفقراء المؤمنين [ونظيره](٧)(أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) [المائدة : ٥٤] ، وقوله : (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) [الفتح : ٢٩].
قوله : (وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ) لما أمر رسوله صلىاللهعليهوسلم بالزّهد في الدنيا ، وخفض الجناح للمؤمنين ، أمره أن يقول للقوم : (أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ) ، وهذا يدخل تحته كونه مبلغا لجميع التّكاليف ، وكونه [شارحا لمراتب](٨) الثّواب والعقاب ، والجنّة والنّار ،
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٩ / ١٦٧).
(٢) تقدم.
(٣) في أ : مسعود.
(٤) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٩ / ١٦٧).
(٥) في ب : غرست.
(٦) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ١٩٧) وعزاه إلى أبي عبيد وابن المنذر عن يحيى بن أبي كثير مرسلا.
(٧) سقط من : ب.
(٨) في أ : شاملا.