عنه ـ في بعض الروايات ، وهو قول طاوس ـ رضي الله عنه ـ لقوله تعالى : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ) [الزمر : ٢٣] فوصف كلّ القرآن بكونه مثاني ؛ لأنه كرّر فيه دلائل التّوحيد ، والنبوّة ، والتّكاليف.
قالوا : وهو ضعيف ؛ لأنه لو كان المراد بالسّبع المثاني القرآن لكان قوله : (وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) ، عطفا على نفسه ، وذلك غير جائز.
وأجيب عنه : بأنه إنّما حسن العطف فيه لاختلاف اللفظين ؛ كقول الشاعر : [المتقارب]
٣٢٩١ ـ إلى الملك القرم وابن الهمام |
|
وليث الكتيبة في المزدحم (١) |
واعلم أن هذا ، وإن كان جائزا إلا أنّهم أجمعوا على أن الأصل خلافه.
القول الرابع : أنه يجوز أن يكون المراد بالسبع الفاتحة ، وبالمثاني كل القرآن ، ويكون التقدير : ولقد آتيناك سبع آيات هي الفاتحة ، وهي من جملة المثاني الذي هو القرآن ، وهذا عين الأول.
و «من» في قوله : «من المثاني».
قال الزجاج ـ رحمهالله تعالى ـ : فيها وجهان :
أحدهما : أن تكون للتبعيض من القرآن ، أي : ولقد آتيناك سبع آيات من جملة الآيات التي يثنى بها على الله ، وآتيناك القرآن العظيم.
ويجوز أن تكون «من» صفة ، والمعنى : أتيناك سبعا هي المثاني ، كقوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) [الحج : ٣٠] ، أي اجتنبوا الأوثان ؛ لأن بعضها رجس.
قوله : «والقرآن» فيه أوجه :
أحدها : أنه من عطف بعض الصفات على بعض ، أي : الجامع بين هذين النعتين.
الثاني : أنه من عطف العام على الخاص ، إذ المراد بالسّبع : إمّا الفاتحة ، أو الطوال ، فكأنه ذكر مرتين بجهة الخصوص ، ثم باندراجه في العموم.
الثالث : أنّ الواو مقحمة ، وقرىء (٢) «والقرآن» بالجر عطفا على : «المثاني».
قوله تعالى : (لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا) الآية لما عرف رسوله عظيم نعمه عليه فيما يتعلق بالدّين ، وهو أنه تعالى آتاه سبعا من المثاني ، والقرآن العظيم نهاه عن الرغبة في الدنيا فقال : (لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) ، أي لا تشغل سرك ، وخاطرك بالالتفات إلى الدنيا ، وقد أوتيت القرآن العظيم.
قال أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ «من أوتي القرآن فرأى أنّ أحدا أوتي من الدنيا أفضل
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٤٥٢.