وللخصم أن يجيب بأنه يجوز أن يذكر الكلّ ، ثمّ يعطف عليه ذكر بعض أقسامه لكونه أشرف الأقسام ، وأمّا إذا ذكر شيء آخر كان المذكور أولا مغايرا للمذكور ثانيا ، وها هنا ذكر السبع المثاني (١). ثم عطف عليه القرآن فوجب التغاير.
ويجاب عليه : بأنّ بعض الشّيء مغاير لمجموعه ، فلم لا يكفي هذا القدر من المغايرة في حسن العطف؟.
واعلم أنّه لمّا كان المراد بالسّبع المثاني هو الفاتحة ؛ دلّ على أنّها أفضل سور القرآن ، لأن إفرادها بالذّكر مع كونها جزءا من القرآن ؛ يدلّ على مزيد اختصاصها بالفضيلة ، وأيضا : لما أنزلها مرّتين دلّ ذلك على أفضليتها ، وشرفها ، ولما واظب رسول الله صلىاللهعليهوسلم على قراءتها في جميع الصلوات طول عمره ، وما أقام [سورة أخرى](٢) مقامها في شيء من الصلوات ، دل ذلك على وجوب قراءتها ، وألّا يقوم شيء من القرآن مقامها.
القول الثاني : السّبع المثاني : هي السبع الطوال ، قاله ابن عمر ، وسعيد بن جبير في بعض الروايات عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما (٣) ـ وإنما سميت السبع الطوال مثاني ؛ لأنّ الفرائض ، والحدود ، والأمثال والخبر ، والعبر ثنيت فيها.
وأنكر الربيع هذا القول ، وقال : الآية مكية ، وأكثر هذه السورة مدنيّة ، وما نزل منها شيء في مكّة ، فكيف تحمل هذه الآية عليها؟.
وأجاب قوم عن هذا بأنه ـ تعالى جلّ ذكره ـ أنزل القرآن كلّه إلى سماء الدنيا ، ثم أنزل على نبيه منه نجوما ، فلمّا أنزله إلى سماء الدّنيا ، وحكم بإنزاله عليه فهو جملة من آتاه ، وإن لم ينزل عليه بعد.
وفي هذا الجواب نظر ، فإن قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) ذكره في [معرض](٤) الامتنان ، وهذا الكلام إنّما يصدق ، إذا وصل ذلك إلى محمّد ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ فأمّا ما لم يصله بعد ، فلا يصدق ذلك عليه.
وأما قوله : إنه لما حكم بإنزاله على محمد ، كان ذلك جاريا مجرى ما نزل عليه ، فضعيف ؛ لأنّ إقامة ما لم ينزل عليه مقام النّازل عليه مخالف للظّاهر.
القول الثالث : أنّ السّبع المثاني : هو القرآن ، وهو منقول عن ابن عباس ـ رضي الله
__________________
(١) سقط من : ب.
(٢) في أشيئا من القرآن.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٥٣٣ ـ ٥٣٤) عن ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد والضحاك.
وأخرجه أبو داود (١ / ٤٦١) رقم (١٤٥٩) والنسائي في «الكبرى» (٦ / ٣٧٥) والحاكم (٢ / ٣٥٥) عن ابن عباس.
وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(٤) في ب : موضع.