قوله : (وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ) [الآية : ٢١] اعلم أنّه ثبت أنّ الذي اشتراه [إما] من الإخوة ، وإما من الواردين على الماء ذهب به إلى مصر وباعه.
قيل : إن الذي اشتراه هو العزيز ، وكان اسمه «قطفير» ، وقيل : إطفير الذي يلي خزائن مصر ، والملك يومئذ : الرّيّان بن الوليد ، رجل من العماليق ، وقد آمن بيوسف ، ومات في حياة يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما دخلوا مصر تلقّى العزيز مالك بن دعر فابتاع منه يوسف ، وهو ابن سبع عشرة سنة ، [وأقام في منزله ثلاث عشرة سنة ، وقيل : سبع عشرة سنة](١) ، واستوزره الرّيان ، وهو ابن ثلاثين سنة ، وآتاه الله العلم ، والحكم ، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، وتوفي ، وهو ابن مائة وعشرين سنة (٢).
وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته قيل : كان اسمها زليخا وقيل : «راعيل». قال ابن كثير : «والظّاهر أنّ زليخا لقبها».
قوله : «من مصر» يجوز فيه أوجه :
أحدها : أن يتعلّق بنفس الفعل قبله ، أي : اشتراه من مصر ، كقوله : اشتريت الثّوب من بغداد ، فهي لابتداء الغاية ، وقول أبي البقاء : أي : «فيها ، أو بها» لا حاجة إليه.
والثاني : أنه متعلّق بمحذوف على أنه حال من «الّذي».
والثالث : أنه حال من الضمير المرفوع في : «اشتراه» فيتعلق بمحذوف أيضا.
وفي هذين نظر ؛ إذ لا طائل في هذا المعنى.
و «لامرأته» متعلق ب «قال» فهي للتبليغ ، وليست متعلقة ب : «اشتراه».
قوله (أَكْرِمِي مَثْواهُ) ، أي : منزله ، ومقامه عندك ، من قولك : ثويت بالمكان ، إذا أقمت فيه ، ومصدره الثّواء ، والمعنى : اجعلي منزلته عندك كريما حسنا مرضيّا ، بدليل قوله تعالى : (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ) [يوسف : ٢٣] قال المحققون : أمر العزيز امرأته بإكرام مثواه دون إكرام نفسه ، يدلّ على أنه كان ينظر إليه على سبيل الإجلال ، والتعظيم.
(عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) أي : نبيعه بالرّبح إذا أردنا بيعه ، أو يكفينا إذا بلغ بعض أمورنا (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) نتبنّاه.
قال ابن مسعود : «أفرس النّاس ثلاثة : العزيز في يوسف حيث قال لامرأته : (أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) [يوسف : ٢١] وابنة شعيب حين قالت لأبيها في موسى : (اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) [القصص : ٢٦] ، وأبو بكر في عمر حين استخلفه».
__________________
(١) في أ : وقيل ثلاث عشرة سنة وأقام في منزله سبع عشرة سنة.
(٢) ينظر : البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤١٦).