قال الراغب (١) : وقوله تعالى : (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ) فيه تنبيه على أنّ الإنسان ، إذا بلغ هذا القدر استوى خلقه الذي هو عليه ، فلا يكاد يزايله ، وما أحسن ما [نبه له](٢) الشاعر حين قال : [الطويل]
٣٠٧٤ ـ إذا المرء وافي الأربعين ولم يكن |
|
له دون ما يهوى حياء ولا ستر |
فدعه ولا تنفس عليه الّذي مضى |
|
وإن جرّ أسباب الحياة له العمر (٣) |
والأشدّ : منتهى شبابه ، وشدّته ، وقوّته. قال مجاهد عن ابن عبّاس رضي الله عنهما : ثلاثا وثلاثين سنة (٤). وقال السديّ : ثلاثين سنة (٥) وقال الضحاك : «عشرين سنة» (٦). وقال الكلبيّ : ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين سنة (٧).
وسئل مالك رضي الله عنه عن الأشد قال : هو الحلم ، وقد تقدّم الكلام على الأشد في سورة الأنعام عند قوله : (حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) [الأنعام : ١٥٢].
قوله : (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) فالحكم : النبوة ، والعلم : التفقّه في الدّين ، وقيل : يعني : إصابة في القول ، وعلما [بتفاصيل](٨) الرّؤيا. وقيل : الفرق بين الحكيم والعالم : أن العالم هو الذي يعلم الأشياء ، والحكيم : الذي يحكم بما يوجبه العلم.
قوله : «وكذلك» إمّا نعت لمصدر محذوف ، أو حال من ضمير المصدر ، وتقدّم نظائره.
(نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : المؤمنين (٩) ، وعنه أيضا : المهتدين (١٠). وقال الضحاك : الصّابرين على النّوائب كما صبر يوسف (١١).
قوله تعالى : (وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ
__________________
(١) ينظر : المفردات ٢٥٦ ـ ٢٥٧.
(٢) في ب : كتبه.
(٣) البيتان لأيمن بن خريم بن فاتك ـ ينظر : أمالي القالي ١ / ٧٨ وقيل للأقيش كما في الشعر والشعراء ٢ / ٥٦٢ وينظر : روح المعاني ١٢ / ٢٠٩ والمفردات (٣٧٧) والدر المصون ٤ / ١٦٦.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٧٥) عن ابن عباس ومجاهد وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٠) وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور وابن أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب «الأضداد» والطبراني في الأوسط وابن مردويه.
(٥) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٠) وعزاه إلى ابن أبي حاتم وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤١٧).
(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٧٥) وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤١٧).
(٧) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤١٧).
(٨) في ب : بتأويله.
(٩) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤١٧).
(١٠) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٧٦) وذكره البغوي (٢ / ٤١٧).
(١١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤١٧).