ويحتمل الأمرين في قراءة من كسر الهاء ، وضمّ التاء ، فتحتمل أن تكون فيه اسم فعل [بنيت على](١) الضم ، ك «حيث» ، وأن تكون فعلا مسندا لضمير المتكلم ، من : هاء الرّجل يهيء ، ك «جاء يجيء» ، وله حينئذ معنيان :
أحدهما : أن يكون بمعنى : حسنت هيئته.
والثاني : أن يكون بمعنى تهيّأ ، يقال : «هيئت ، أي : حسنت هيئتي ، أو تهيّأت».
وجوز أبو البقاء : أن تكون «هئت» هذه من : «هاء يهاء» ك «شاء يشاء».
وقد طعن جماعة على قراءة هشام الّتي بالهمز ، وفتح التّاء ، فقال الفارسي (٢) : يشبه أن يكون الهمز وفتح التاء وهما من الراوي ؛ لأنّ الخطاب من المرأة ليوسف ، ولم يتهيّأ لها بدليل قوله : (وَراوَدَتْهُ) ، و (أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) ، وتابعه على ذلك جماعة. وقال مكي بن أبي طالب: «يجب أن يكون اللفظ «هئت لي» أي : تهيّأت لي ، ولم يقرأ بذلك أحد ، وأيضا : فإنّ المعنى على خلافه ؛ لأنّه [لم يزل](٣) يفرّ منها ، ويتباعد عنها ، وهي تراوده ، وتطلبه ، وتقدّ قميصه ، فكيف تخبر أنه تهيأ لها؟».
وأجاب بعضهم عن هذين الإشكالين بأن المعنى : تهيأ لي أمرك لأنها لم تكن تقدر على الخلوة به في كل وقت ، أو يكون المعنى : حسنت هيأتك. و «لك» متعلق بمحذوف على سبيل البيان ، كأنها قالت : القول لك ، أو الخطاب لك ، كهي في «سقيا لك ورعيا لك».
قال شهاب الدّين (٤) : «واللّام متعلقة بمحذوف على كلّ قراءة إلّا قراءة ثبت فيها كونها فعلا ، فإنّها حينئذ تتعلق بالفعل ، إذ لا حاجة إلى تقدير شيء آخر». وقال أبو البقاء (٥) : «والأشبه أن تكون الهمزة بدلا من الياء ، أو تكون لغة في الكلمة التي هي اسم للفعل ، وليست فعلا ، لأنّ ذلك يوجب أن يكون الخطاب ليوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ». وهو فاسد لوجهين :
أحدهما : أنّه لم يتهيّأ لها ، وإنّما هي تهيّأت له.
الثاني : أنه قال «لك» ، ولو أراد الخطاب لقال : «هئت لي» ، وتقدم جوابه وقوله : «إنّ الهمزة بدل من الياء». هذا عكس لغة العرب ، إذ قد عهدناهم يبدلون الهمزة السّاكنة ياء إذا انكسر ما قبلها ، نحو : «بير» و «ذيب» ولا يقلبون الياء المكسور ما قبلها همزة ، نحو : ميل ، وديك ، وأيضا : فإنّ غيره جعل الياء الصّريحة مع كسر الهاء كقراءة نافع ، وابن ذكوان محتملة ؛ لأن تكون بدلا من الهمزة ، قالوا فيعود الكلام فيها ، كالكلام في قراءة هشام.
__________________
(١) في أ : هييت على.
(٢) ينظر : الحجة ٤ / ٤٢٠.
(٣) في ب : كان.
(٤) ينظر : الدر المصون ٤ / ١٦٧.
(٥) ينظر : الإملاء ٢ / ٥١.