وكذلك قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرّحمن» (١). قال : والمراد من الأصبعين : داعية الفعل وداعية التّرك ، وهاتان الدّاعيتان لا يحصلان إلا بخلق الله ـ تعالى ـ وإلا لافتقرت إلى داعية أخرى ، ولزم التّسلسل ؛ فثبت أن قول يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «معاذ الله» من أدل الدّلائل على صحّة القول بالقضاء ، والقدر.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) [الآية : ٢٤] جواب «لو لا» ما تقدّم عليها ، وقوله : «وهمّ بها» عند من يجيز تقديم جواب أدوات الشرط عليها ، وإما محذوف لدلالة هذا عليه عند من لا يرى ذلك ، وقد تقدّم تقرير المذهبين مرارا ، كقولهم : «أنت ظالم إن فعلت» ، أي : إن فعلت ، فأنت ظالم ، ولا تقول : إن «أنت ظالم» هو الجواب ، بل دلّ عليه دليل ، وعلى هذا فالوقف عند قوله : «برهان ربّه» والمعنى : لو لا رؤيته برهان ربه لهمّ بها ، لكنه امتنع همّه بها لوجود رؤية برهان ربّه ، فلم يحصل منه همّ ألبتّة ، كقولك : لو لا زيد لأكرمتك ، فالمعنى : إنّ الإكرام ممتنع لوجود زيد ، وبهذا يتخلّص من الإشكال الذي يورد ، وهو : كيف يليق بنبي أن يهم بامرأة.
قال الزمخشريّ (٢) : «فإن قلت : قوله : (وَهَمَّ بِها) داخل تحت القسم في قوله : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) أم خارج عنه؟. قلت : الأمران جائزان ، ومن حقّ القارىء إذا قصد خروجه من حكم القسم ، وجعله كلاما برأسه أن يقف على قوله : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) ويبتدىء قوله : (وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) ، وفيه أيضا إشعار بالفرق بين الهمّين.
فإن قلت : لم جعلت جواب «لو لا» محذوفا يدلّ عليه : «همّ بها» ، وهلّا جعلته هو الجواب مقدما؟.
قلت : لأن «لو لا» لا يتقدم عليها جوابها من قبل أنّه في حكم الشرط ، وللشّرط صدر الكلام ، وهو وما في حيّزه من الجملتين ، مثل كلمة واحدة ، ولا يجوز تقديم بعض الكلمة على بعض ، وأما حذف بعضها إذا دلّ عليه دليل ؛ فهو جائز».
فقوله : «وأما حذف بعضها .... إلخ» جواب عن سؤال مقدر ، وهو أنّه إذا كان جواب الشّرط مع الجملتين بمنزلة كلمة ؛ فينبغي أن لا يحذف منهما شيء ؛ لأنّ الكلمة لا يحذف منها شيء.
فأجاب بأنّه يجوز إذا دلّ دليل على ذلك ، وهو كما قال ، ثم قال : فإن قلت لم جعلت «لو لا» متعلقة ب «همّ بها» وحده ، ولم تجعلها متعلقة بجملة قوله : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) ؛ لأن الهمّ لا يتعلق بالجواهر ، ولكن بالمعاني ، ولا بد من تقدير
__________________
(١) أخرجه مسلم (٤ / ٢٠٤٥) كتاب القدر : باب تصريف الله تعالى القلوب كيف شاء حديث (١٧ / ٢٦٥٤).
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٥٦.