وهو من باب المعاريض الحسنة ، فإنّ أهل الظّاهر يحملونه على كونه ربّا ، وهو كأنه (١) يعني به أنه كان مربيا له ومنعما عليه.
السؤال الثاني : ذكر يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ في الجواب في كلامه ثلاثة أشياء :
أحدها : قوله : (مَعاذَ اللهِ).
والثاني : قوله : (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ).
والثالث : قوله : (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) فما وجه تعلّق هذه الجوابات بعضها ببعض؟.
والجواب : هذا الترتيب في غاية الحسن ؛ لأن الانقياد لأمر الله ـ تعالى ـ وتكاليفه أهم الأشياء لكثرة إنعامه ، وألطافه في حق العبد ، فقوله : (مَعاذَ اللهِ) إشارة إلى أنّ حقّ الله يمنع من هذا العمل.
وأيضا : حقوق الخلق واجبة الرعاية ، فلما كان هذا الرجل قد أنعم في حقّي ، فيقبح معامله [إنعامه](٢) بالإساءة.
وأيضا : صون النّفس عن الضّرر واجب ، وهذه اللذّة قليلة ، ويتبعها خزي في الدّنيا وعذاب في الآخرة ، وهذه اللذّة القليلة إذا تبعها ضرر شديد ؛ ينبغي تركها والاحتراز عنها ، لقوله: (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) فهذه الجوابات الثلاثة مرتبة على أحسن وجوه (٣) الترتيب.
السؤال الثالث : هل يدلّ قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ «معاذ الله» على صحّة القضاء والقدر؟.
والجواب : أنه يدل دلالة ظاهرة ؛ لأنه طلب من الله أن يعيذه من العمل ، وتلك الإعاذة ليست عبارة من لفظ الفعل ، والقدرة وإزاحة الأعذار ، وإزالة الموانع وفعل الألطاف ؛ لأن كل هذا قد فعله الله ـ تعالى ـ ، فيكون طلبه إمّا طلبا لتحصيل الحاصل ، أو طلبا لتحصيل الممتنع ، وأنّه محال ، فعلمنا أنّ تلك الإعاذة التي طلبها يوسف من الله ـ تعالى ـ لا معنى لها إلا أن يخلق فيه داعية جازمة في جانب الطاعة ، وأن يزيل عن قلبه داعية المعصية ، وهو المطلوب.
ويدلّ على ذلك : أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم لما وقع بصره على زينب قال : «يا مقلّب القلوب ثبت قلبي على دينك» (٤) وكان المراد منه تقوية داعية الطّاعة ، وإزالة داعية المعصية ، فكذا هنا.
__________________
(١) في ب : كان.
(٢) في أ : إحسانه.
(٣) سقط في : ب.
(٤) أخرجه مسلم (٤ / ٢٠٤٥) كتاب القدر : باب تصريف الله تعالى القلوب كيف شاء (١٧ / ٢٦٥٤) وأخرجه الترمذي (٤ / ٣٩٠ ـ ٣٩١) كتاب القدر باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن (٢١٤٠) وقال : وفي الباب عن النواس بن سمعان وأم سلمة وعبد الله بن عمرو وعائشة وهذا حديث حسن ، وهكذا روى غير واحد عن الأعمش عن أبي سفيان عن أنس ، وروى بعضهم عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلىاللهعليهوسلم وحديث أبي سفيان عن أنس أصح.