منها ، إذا لم يكن فيها تضعيف ، فثبت أنه فاعل من «الحشا» الذي يراد به الناحية. والمعنى : أنه صار في حشا ، أي : في ناحية ، وفاعل «حاشى» يوسف ، والتقدير : بعد من هذا الأمر ؛ لله ، أي : لخوفه».
فقوله : «حرف الجرّ لا يدخل على مثله» مسلّم ، ولكن ليس هو ـ هنا ـ حرف جرّ ، كما تقدم تقريره.
وقوله : «لا يحذف من الحرف إلا إذا كان مضعّفا» ، ممنوع ، ويدل له قولهم : «مذ» في «منذ» إذا جرّ بها ، فحذفوا عينها ولا تضعيف ، قالوا : ويدلّ على أنّ أصلها : «منذ» بالنون ، تصغيرها على «منيذ» وهذا مقرر في بابه.
وقرأ أبو عمرو (١) وحده : «حاشا» بألفين ألف بعد الحاء ، وألف بعد الشين ، في كلمتي هذه السورة وصلا ، وبحذفها وقفا ؛ اتباعا للرسم ، كما سيأتي ، والباقون بحذف الألف الأخيرة ؛ وصلا ، ووقفا. فأما قراءة أبي عمرو ، فإنه جاء فيها بالكلمة على أصلها ، وأما الباقون : فإنهم اتبعوا في ذلك الرسم ، ولما طال اللفظ ، حسن تخفيفه بالحذف ، ولا سيّما على قول من يدّعي فعليتها ، كالفارسيّ.
قال الفارسي (٢) : «وأما حذف الألف ، فعلى : لم يك ، ولا أدر ، وأصاب النّاس جهد ، ولو تر ما أهل مكّة ، وقوله : [الرجز]
٣٠٩٨ ـ وصّاني العجّاج فيما وصّني (٣)
في شعر رؤبة ، يريد : لم يكن ، ولا أدري ، ولو ترى ، ووصّاني». وقال أبو عبيدة : رأيتها في الذي يقال له إنه الإمام ـ مصحف عثمان ـ رضي الله عنه ـ «حاش لله» بغير ألف ، والأخرى مثلها.
وحكى الكسائيّ : أنه رآها في مصحف عبد الله ، كذلك. قالوا : فعلى ما قال أبو عبيد ، والكسائي : ترجّح هذه القراءة ؛ ولأن عليها ستة من السبعة.
ونقل الفراء : أن الإتمام لغة بعض العرب ، والحذف لغة أهل الحجاز ، قال : ومن العرب من يقول «حاشى زيدا» أراد «حشى لزيد» ، فقد نقل الفراء : أنّ اللغات الثلاث مسموعة ولكنّ لغة أهل الحجاز مرجحة عندهم.
__________________
(١) ينظر : الحجة ٤ / ٤٢٢ وإعراب القراءات السبع ١ / ٣٠٩ وحجة القراءات ٣٥٩ وقرأ بها أيضا اليزيدي وابن محيصن والمطوعي ينظر : الإتحاف ٢ / ١٤٦ وينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢٣٩ والبحر المحيط ٥ / ٣٠٣ والدر المصون ٤ / ٤٢٣.
(٢) ينظر : الحجة ٤٢٣.
(٣) البيت لرؤبة ينظر : ملحقات ديوانه ١٨٧ والإنصاف ٢ / ٤٤٩ واللسان «وصى» والخصائص ٢ / ٩٣ والدر المصون ٤ / ١٧٨.