أحسنها : أنّه ضمير يعود على «السّجن» بفتح السّين ، أي : ظهر لهم حبسه ؛ ويدلّ على ذلك اللّفظ ب «السّجن» في قراءة العامّة ، وهو بطريق اللازم ، ولفظ «السّجن» في قراءة من فتح السين.
والثاني : أنّ الفاعل ضمير المصدر المفهوم من الفعل ؛ وهو «بدا» ، أي : بدا لهم بداء ، وقد صرّح الشاعر به في قوله : [الطويل]
٣١٠٥ ـ ........... |
|
بدا لك في تلك القلوص بداء (١) |
والثالث : أنّ الفاعل مضمر يدلّ عليه السّياق ، أي : بدا لهم رأي.
والرابع : أنّ نفس الجملة من «ليسجننّه» هي الفاعل ، وهذا من أصول الكوفيين ، وهذا يقتضي إسناد الفعل إلى فعل آخر ؛ واتفق النحاة على أنّ ذلك لا يجوز.
فإذا قلت : «خرج ضرب» ، لم يفد ألبتة ، فقدّروا : ثمّ بدا لهم سجنه ، إلّا أنه أقيم هذا الفعل مقام ذلك الاسم.
قال ابن الخطيب (٢) : الاسم قد يكون خبرا ؛ كقولك : زيد قائم ، ف «قائم» اسم وخبر ، فعلمنا أنّ كون الشيء خبرا ، لا ينافي كونه مخبرا عنه ، وفي هذا الباب شكوك :
أحدها : أنّا إذا قلنا : «ضرب فعل» ، والمخبر عنه بأنّه فعل هو ضرب ، فالفعل صار مخبرا عنه.
فإن قالوا : المخبر عنه هو هذه الصيغة ، وهذه الصيغة اسم ، فنقول : فعلى هذا التقدير ؛ يلزم أن يكون المخبر عنه بأنه فعل هو هذه الصيغة (٣) وهذه الصيغة اسم ، لا فعل ، وذلك كذب باطل ، بل نقول : المخبر عنه بأنه فعل : إن كان فعلا ، فقد ثبت أنّ الفعل يصحّ الإخبار عنه ، وإن كان اسما ، كان معناه : أنّا أخبرنا عن الاسم بأنه فعل ؛ وذلك باطل.
و «حتّى» : غاية لما قبله ، وقوله : «ليسجننّه» ؛ على قول الجمهور : جواب لقسم محذوف ، وذلك القسم وجوابه معمول لقول مضمر ، وذلك القول المضمر في محل نصب على الحال ، أي : ظهر لهم كذا قائلين : والله ، لنسجننّه حتّى حين.
وقرأ الحسن (٤) : «لتسجننّه» ، بتاء الخطاب ، وفيه تأويلان :
أحدهما : أن يكون خاطب بعضهم بعضا بذلك.
والثاني : أن يكون خوطب به العزيز ؛ تعظيما له.
وقرأ ابن (٥) مسعود ـ رضي الله عنه ـ : «عتّى» بإبدال حاء «حتّى» عينا ، وأقرأ بها
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : الفخر الرازي ١٨ / ١٠٦.
(٣) سقط من : ب.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣٠٧ والدر المصون ٤ / ١٨٢.
(٥) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٦٨ والمحرر الوجيز ٣ / ٢٤٣ والبحر المحيط ٥ / ٣٠٧ والدر المصون ٤ / ١٨٢.