القدوة ، فنفى عنهم الشكّ والكذب والغلط والريبة والفخر واللّمز ، وسمّاهم عدول الأمّة ، فقال عزّ ذكره في محكم كتابه : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) البقرة / ١٤٣. ففسّر النبيّ (ص) عن الله عزّ ذكره قوله : (وَسَطاً) قال : عدلا. فكانوا عدول الأمّة ، وأئمة الهدى ، وحجج الدّين ، ونقلة الكتاب والسنّة.
وندب الله عزوجل إلى التمسّك بهديهم والجري على منهاجهم والسلوك لسبيلهم والاقتداء بهم ، فقال : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ ... وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى ...) (٢) الآية ، النساء / ١١٥.
ووجدنا النبيّ (ص) قد حضّ على التبليغ عنه في أخبار كثيرة ووجدناه يخاطب أصحابه فيها ، منها أن دعا لهم فقال : «نضّر الله امرأ سمع مقالتي فحفظها ووعاها حتّى يبلغها غيره». وقال (ص) في خطبته : «فليبلّغ الشاهد منكم الغائب» وقال : «بلّغوا عنّي ولو آية ، وحدّثوا عني ولا حرج».
ثمّ تفرّقت الصّحابة ـ رضي الله عنهم ـ في النواحي والأمصار والثغور ، وفي فتوح البلدان والمغازي والإمارة والقضاء والأحكام ، فبثّ كلّ واحد منهم في ناحيته والبلد الّذي هو به ما وعاه وحفظه عن رسول الله (ص) (٣) وأفتوا في ما سئلوا عنه ممّا حضرهم من جواب رسول الله (ص) عن نظائرها من المسائل ، وجرّدوا أنفسهم مع تقدمة حسن النيّة والقربة إلى الله تقدّس اسمه لتعليم الناس الفرائض والأحكام والسنن الحلال والحرام ، حتّى قبضهم الله عزوجل. رضوان الله ومغفرته ورحمته عليهم أجمعين.
__________________
(٢) ترى مدرسة أهل البيت أنّ المقصود من كل ذلك : المؤمنون منهم ، كما نصّت الآية عليه ، وسيأتي مزيد بيانه إن شاء الله تعالى.
(٣) سترى في ما يأتي إن شاء الله أنّ مدرسة الخلافة منعت نشر حديث الرسول وخاصة كتابته إلى رأس المائة من الهجرة!