الظاهرة والسلطان المبين ، من ذا ينازعنا سلطان محمّد وإمارته ، ونحن أولياؤه وعشيرته (٢١) إلّا مدل بباطل أو متجانف لإثم أو متورّط في هلكة.
فقام الحباب بن المنذر وقال : يا معشر الأنصار ، املكوا على ايديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر ، فإن أبوا عليكم ما سألتموهم ، فأجلوهم عن هذه البلاد ، وتولّوا عليهم هذه الأمور ، فأنتم والله أحقّ بهذا الأمر منهم ، فإنّه بأسيافكم دان لهذا الدين من لم يكن يدين به. أنا جذيلها المحكك (٢٢) وعذيقها المرجّب (٢٣). أما والله لو شئتم لنعيدنها جذعة (٢٤).
قال عمر : إذا يقتلك الله.
قال : بل إيّاك يقتل.
فقال أبو عبيدة : يا معشر الأنصار ، إنّكم كنتم أوّل من نصر وآزر ، فلا تكونوا أوّل من بدّل وغيّر.
فقام بشير بن سعد الخزرجيّ أبو النعمان بن بشير فقال : يا معشر الأنصار ، إنّا والله لئن كنّا أولي فضيلة في جهاد المشركين ، وسابقة في هذا الدين ، ما أردنا به إلا رضا ربّنا وطاعة نبيّنا والكدح لأنفسنا ؛ فما ينبغي لنا أن نستطيل على النّاس بذلك ، ولا نبتغي به من الدنيا عرضا ، فإنّ الله وليّ النعمة
__________________
(٢١) لمّا سمع عليّ بن أبي طالب هذا الاحتجاج من المهاجرين قال : احتجّوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة. النهج وشرحه لابن أبي الحديد ، ط. الأولى ، ٢ / ٢.
(٢٢) جذيلها ، تصغير الجذل : أصل الشجرة. والمحك : عود ينصب في مبارك الإبل لتتمرس به الإبل الجربى ، أي قد جربتني الأمور ولي رأي وعلم يشتفى بهما كما تشتفي هذه الإبل الجربى بالجذل وصغره على جهة المدح.
(٢٣) عذيق : تصغير العذق ، وهي : النخلة. والمرجب. ما جعل له رجبة ، وهي : دعامة تبتنى من الحجارة حول النخلة الكريمة إذا طالت وتخوفوا عليها أن تنقعر في الرياح العواصف.
(٢٤) أعدت الأمر جذعا ، أي جديدا كما بدأ ، وإذا أطفئت حرب بين قوم فقال بعضهم : إن شئتم أعدناها جذعة ، أي : أول ما يبتدأ فيها.