وأعياني ذلك ، فما رأيك في العمل؟
قال : لن أعمل حتّى تخبرني بالّذي في نفسك.
قال : وما تريد إلى ذلك؟
قال : أريده ، فإن كان شيء أخاف منه على نفسي ، خشيت منه عليها الّذي خشيت ، وإن كنت بريئا من مثله علمت أنّي لست من أهله ، فقبلت عملك هنالك ، فإنّي قلّما رأيتك طلبت شيئا إلّا عاجلته.
فقال : يا ابن عباس! ، إنّي خشيت أن يأتي عليّ الّذي هو آت وأنت في عملك فتقول : هلمّ إلينا ولا هلمّ إليكم دون غيركم ... الحديث (٢).
يظهر أنّ هذه المحاورة جرت بينهما في اخريات حياة عمر. وجرى في آخر شهر من حياة الخليفة عمر ما رواه في هذا الصدد البخاري بسنده وقال :
عن ابن عباس أنّه قال : كنت أقرئ رجالا من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف ، فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجّة حجّها إذ رجع إليّ عبد الرحمن فقال : لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم ، فقال : يا أمير المؤمنين! هل لك في فلان يقول : لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا ؛ فو الله ما كانت بيعة أبي بكر إلّا فلتة فتمت. فغضب عمر ثم قال : إنّي إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم امورهم. قال عبد الرحمن فقلت : يا أمير المؤمنين! لا تفعل فإنّ الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم ، فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس ، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير ، وأن لا يعوها وأن لا يضعوها على مواضعها ، فأمهل حتى تقدم
__________________
(٢) مروج الذهب للمسعودي ٢ / ٣٢١ ـ ٣٢٢.