فلما قدم زياد الكوفة وجّه صاحب شرطه إليهم ، فأخذ جماعة منهم فقتلوا ، وهرب عمرو بن الحمق الخزاعيّ إلى الموصل وعدّة معه ، وأخذ زياد حجر بن عديّ الكنديّ وثلاثة عشر رجلا من أصحابه فأشخصهم إلى معاوية فكتب فيهم أنّهم خالفوا الجماعة في لعن أبي تراب ، وزروا على الولاة ، فخرجوا بذلك من الطاعة ، وأنفذ شهادات قوم. فلمّا صاروا بمرج عذراء من دمشق على أميال ، أمر معاوية بإيقافهم هناك ، ثمّ وجه إليهم من يضرب أعناقهم ، فكلّمه قوم في ستّة منهم فأخلى سبيلهم ، وأمر أن يعرض على الباقي البراءة من علي واللعن له فقالوا : إن فعلتم تركناكم وإن أبيتم قتلناكم ، فابرءوا منه نخلّ سبيلكم! قالوا : اللهم لسنا فاعلي ذلك!
فحفروا لهم قبورهم وأدنيت أكفانهم ، فقاموا الليل كلّه يصلون ، فلما أصبحوا عرضوا عليهم البراءة من علي فقالوا : نتولاه ونتبرأ ممن تبرأ منه. فأخذ كل رجل منهم رجلا ليقتله فقال حجر دعوني أتوضأ وأصلي. فلما أتم صلاته قتلوه وأقبلوا يقتلونهم واحدا واحدا حتى قتلوا ستة مع حجر. فلما بلغوا عبد الرحمن بن حسان العنزي وكريم بن العفيف الخثعمي قالا : ابعثوا بنا إلى أمير المؤمنين فنحن نقول في هذا الرجل مقالته. فبعثوا بهما إلى معاوية فلما دخلا عليه ، قال معاوية للخثعمي : ما تقول في علي ، قال : أقول فيه قولك! قال أتبرأ من دين علي؟ فسكت ، فقام ابن عم له فاستوهبه من معاوية فحبسه شهرا ثم خلّى سبيله على أن يذهب إلى الكوفة. أمّا العنزي فقد قال له : يا أخا ربيعة! ما قولك في علي؟ قال : أشهد أنه كان من الذاكرين الله كثيرا ومن الآمرين بالحقّ والقائمين بالقسط والعافين عن الناس. قال : فما قولك في عثمان؟ قال : هو أول من فتح باب الظلم وأرتج أبواب الحقّ. قال : قتلت نفسك. قال : بل إياك قتلت ، فبعث به معاوية إلى زياد وكتب إليه : أما بعد ، فإن هذا