الأقدس كما كان في مقام جعل الأحكام كان في مقام جعل الطرق الواصلة إلى المكلفين أيضا وحيث أن العقلاء بناؤهم على طريقية خبر الثقة ولم يكن قد نصب الشارع طريقاً غيره يعلم أنه الطريق المجعول عنده ويكون قد اعتمد في إيصاله إلى المكلفين ببناء العقلاء عليه إذ لو لا ذلك لزم الإخلال بغرضه وهو مستحيل ، وهذا الوجه يتوقف على مقدمات ثلاث «الأولى» كون الشارع في مقام نصب الطرق «الثانية» كونه طريقاً عند العقلاء «الثالثة» عدم ثبوت طريق سواه ، (والأولى) ممنوعة كما اعترف بذلك شيخنا الأعظم (ره) في التنبيه الأول من تنبيهات الانسداد فليلحظ (والثانية) مسلمة (والثالثة) مبنية على عدم تمامية الأدلة المتقدمة على الحجية (الثاني) أن الشارع بعد ما جعل أحكاما واقعية وكان خبر الثقة عند العقلاء طريقاً ارتكازيا يجرون معه حيث ما جرى وينتهون معه حيث ما انتهى لاعتقاد كونه طريقاً إلى تلك الأحكام لكون طريقيته مما تقتضيها فطرتهم وجبلت عليها نفوسهم فلو سلكوه فأخطأ كان عقابهم عقابا بلا بيان لفرض الغفلة منهم وعدم تنبيه الشارع لهم ، وهذا الوجه لا يتوقف الا على إثبات كونه طريقاً عند العقلاء على النحو المذكور ، إلا أنه لا يجدي الا في حق العامل بالخبر غفلة منه وجريا على مقتضى ارتكاز طريقيته ، أما المتنبه الملتفت الشاك في طريقيته فلا يجدي في حقه لعدم جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان في حقه إذ مع الشك يرجع إلى ما يحكم به عقله من البراءة أو الاشتغال حسب اختلاف الموارد ، (الثالث) بناء العقلاء على كون خبر الثقة مقتضياً للحجية فهو بنفسه منجِّز للواقع وعذر في مخالفته وبذاته معيار للإطاعة والمعصية ومناط للثواب والعقاب إذا لم يردع عنه المولى ومع احتمال الردع يُبنى على عدمه تعبداً منهم أو إذا قام على عدمه طريق من ظاهر قول أو فعل أو حال معتبر ، وهذا الوجه من أحسن الوجوه إلا أنه غير ثابت «الرابع» بناؤهم على كونه حجة بينهم يُعامل معاملة الحجج الذاتيّة إلا أن ارتكاز حجيته عندهم أوجب اعتقاد كونه حجة عند الشارع فانه مولاهم وسيدهم ، وحيث أن ذلك البناء منهم لو كان على خلاف الواقع كان الواجب