ويمكن الإجابة عن هذا السؤال كما يأتي :
إنّ الجنّة وإن كانت مضيئة بالنور دائماً إلّاأنّ ذلك ليس على وتيرة واحدة على الدوام بل هو في حالة توهّج وخفوت يتيح لأهل الجنّة تحديد الليل من النهار تماماً مثل المناطق القطبية التي تمر عليها ستّة أشهر كاملة والوقت فيها نهار ، إلّاأنّه يمكن تحديد الليل والنهار من خلال زيادة ونقصان درجة النور.
وبالنظر لاستعصاء هاتين القضيتين (قضية الرزق الجديد وقضية البكرة والعشي) على الكثير من المفسرين ، فقد طرحوا بشأنها آراءً وتبريرات متعددة تتعارض في الغالب مع ظاهر الآية ككونها كناية عن دوام النعمة ، حيث كان من المتعارف بين العرب أنّ من يملك طعام الصباح والمساء (البكرة والعشي) يُعتبر غنيّاً ، أو أنّ النعم الإلهيّة تأتيهم متوالية وبفواصل زمنية تعادل الليل والنهار في هذه الدنيا.
ومن الواضح أنّ جميع هذه الآراء تخالف ظاهر الآية ، أليس من الأفضل القول بوجود نوع من الليل والنهار الحاصلين من خلال اشتداد وانخفاض درجة الضياء ووجود نوع من الرزق مُستمد من فضل الله وألطافه ومبشّر بطيّ مسيرة التكامل ، بحيث ينطبق مع ظاهر الآية أو لا يتعارض معه كثيراً!؟
وهناك حديث نُقل عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «والذي أنزل الكتاب على محمد إنّ أهل الجنّة ليزدادون جمالاً وحُسناً كما يزدادون في الدنيا قباحةً وهرماً» (١).
وهذا الحديث يُظهر بوضوح التكامل التدريجي لأصحاب الجنّة وإن كانت فيه إشارة إلى الجوانب الجسمانية فقط ، لكن من البديهي أنّه يتضمن أيضاً الأبعاد الروحية من باب أَولى.
* * *
__________________
(١) علم اليقين ، ص ١٠٣ ، (استناداً على مانقله في المعاد ، كلام فلسفي).