(كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَّبِّهِمْ يَومَئِذٍ لَمحْجُوبُونَ). (المطففين / ١٥)
وهل هناك جزاءٌ أشدّ ايلاماً من حرمان الإنسان من لقاء الله ومنعه من الحضور في المحضر الإلهي المقدّس.
ومفهوم هذا الكلام هو أنّ المؤمنين غير محجوبين في ذلك اليوم ، بل يتمتّعون برؤية جمال الحق ويتلذّذون بفيض لقاء المحبوب الذي لا نظير له ، وإن كان ذلك الحجاب عذاباً أليماً للكفّار فهذا اللقاء هو من أمتع اللّذات بالنسبة للمؤمنين.
* * *
٩ ـ لهم ما يشتهون
قد يقوم المضيّف أحياناً بتهيئة جميع المستلزمات الضرورية لضيفه العزيز ، لكنَّها عادة ما تكون محدودة بشكل أو آخر ، إلّاأنّه عندما يعِدُهُ بتوفير كل ما يشتهي وما يطلب بلا استثناء فالضيف يشعر في مثل هذه الحالة بالارتياح والسكينة لأنّه يتأكد من انعدام أيّة قيود أو حدود في هذا الصدد.
وكما أنّ هذا الكلام يصدق على النعم الماديّة في الجنّة ، وهو كذلك يصدق تماماً على النعم المعنوية فيها ، وبعض تعابير الآيات القرآنية تتّسق معانيها أكثر مع النعم المعنوية ، فمثلاً ورد قوله تعالى بعد التحدث عن حدائق الجنّة : (لَهُمْ مَّا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ). (الشورى / ٢٢)
فتعبير «عند ربّهم» وتعبير «ذلك هو الفضل الكبير» يتناسبان مع العطايا المعنوية والروحية في الجنّة ، وقد اشير إليهما بعد تبيان النعم المادّية.
وقد ورد نفس هذا المعنى في قوله تعالى دون الإشارة إلى النعم المادية : (لَهُمْ مَّا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ). (الزمر / ٣٤)
وعلى هذا فلا توجد هناك أيّة قيود على النعم في الجنّة وخاصّة في الأبعاد الروحية والمعنوية ، بالإضافة إلى ما تتضمنه هذه التعابير من دلالات على عدم محدوية نِعَم الجنّة