وقد بيّنت الآية السابقة نفس ذلك المعنى بصورة اخرى إذ قالت : (مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعدِ إِذنِهِ) فلماذا تعبدون الأصنام؟ (ذلِكم اللهُ رَبُّكُمَ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ).
وجاء نفس هذا المعنى في الآية الثامنة بشأن شفاعة الملائكة ، إذ تؤكّد أنّ شفاعتهم تقبل بإذن الله أيضاً ، إذ ورد فيها : (وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِى السَّموَاتِ لاتُغنِى شَفَاعَتُهُم شَيئاً إِلَّا مِن بَعدِ ان يَأذَنَ اللهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرضَى).
فالمكان الذي لا يستطيع فيه ملائكة السماء وبكل مالديهم من عظمة من الشفاعة إلّا بإذنه ، فماذا نتوقع من الأوثان التي لا حس لها ولا تمتاز بأيّة قيمة معنوية؟ أليس من المخجل أن يقولوا نعبدها لتكون شفيعة لنا عند الله؟!
والملفت هنا هو استخدام كلمة «كم» للتعبير عن أهميّة الموضوع ، وهو ما يُستخدم عادة للكثرة وهو موسوم هنا بطابع العموم ، وجاء في الآية كذلك تعبير «في السموات» وهو دلالة على علو مقامهم ، ووردت كذلك كلمة «شفاعتهم» بصيغة الجمع لكي يفهم شفاعتهم جميعاً لا أثر لها إلّابإذن الله ورضاه.
ولعل التأكيد على الملائكة دون بقية الشفعاء جاء هنا لأنّ فِئة من العرب كانت تعبد ، الأوثان أو أنّ المقصود : فإن كانت شفاعة الملائكة لا تتحقق ولا تنفع إلّابإذن الله ، فماذا يُتوقع من الأصنام الجامدة؟
والفارق بين «الإذن» و «الرضا» هو أنّ الإذن يُطلق حين يُعلن المرء عن رضاه ، لكن الرضا منوط بالباطن ، وانطلاقاً من أنّ الرضا قد يكون مفروضاً أحياناً وعارٍ عن الرضا الباطني ، فقد ورد الاثنان معاً في هذا الموضع ليتم تأكيد الغرض رغم أنّ الفرض على الله لا يمكن تصوره (جل وعلا) وأنّ رضاه مستوسق مع إذنه ، (فتأمل).
هل أنَّ هذا الاذن مرتبط بالشفعاء أم بالمشفع لهم؟ فالآية التي نحن بصددها تحتمل المعنيين ، رغم أنّ معناها العام يبدو أكثر اختصاصاً بالشفعاء أي إنّ الله يأذن ويرضى لهم بالشفاعة.