في محكمة العدل الإلهي من جهة ومن جهة اخرى أنّهم قد نسوا الكثير من الأعمال ولم يعطوها أهميّة ، ولكنّها اليوم تجسدت أمام أعينهم ، ومن جهة ثالثة ، الفضيحة العظمى أمام الخلائق.
ويجب أن ننتبه إلى هذا المعنى وهو أنّ كلمة (يغادر) مشتقة من مادة (غَدْر) بمعنى الترك ، وبناء على ذلك يكون مفهوم هذه الجملة هو أنّ هذا الكتاب لا يترك شيئاً إلّاوسجّلهُ ، ويقال لنكث العهد غدر وذلك بسبب عدم الوفاء به.
* * *
وتتحدث الآية الثالثة عن كتابة رسل الله تبارك وتعالى : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَانَسْمَعُ سِرَّهُمْ ونَجْواهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِم يَكْتُبُونَ).
ومن الواضح أنّه لا يوجد هناك تضارب بين هذه الآية والآية التي تقول : (إِنَّا نَحنُ نُحْيِ المَوتَى وَنَكتُبُ مَا قَدَّمُوا وآثَارَهُم) نظراً لأنّ عمل الرسل والملائكة إنّما هو في الحقيقة عمل الله تبارك وتعالى لأنّه يجري بأمره ، وهناك احتمال بأنّ كتاب أعمال الناس جميعاً (الإمام المبين) يكتب بيد القدرة الإلهيّة ، أي بصورة مباشرة ، أمّا كتاب أعمال كل إنسان الذي عرض في هذه الآية فيكتب بواسطة الملائكة ، أمّا تعبير (الرسل) وهو جمع رسول فالمراد به هنا الملائكة المأمورون بكتابة الأعمال ، وليس المقصود وجود عدد من الملائكة لكل إنسان بل يمكن أن يكون لكل فرد ملك واحد أو ملكان فيكون بصورة الجمع بالنسبة لمجموع الناس.
يقول الزمخشري في الكشاف : (السّرّ) ما حدّث به الرجل نفسه أو غيره في مكان خال أمّا النجوى ما تكلّموابه فيما بينهم همساً (١).
* * *
__________________
(١). تفسير الكشاف ، ج ٤ ، ص ٢٦٥.