ثمّ قال : إنّ الله أحبّ أن يخلق خلقا ، وذلك بعدما مضى للجنّ والنسناس سبعة آلاف سنة ، فلمّا كان من خلق الله أن يخلق آدم للّذي أراد من التدبير والتقدير فيما هو مكوّنه في السماوات والأرضين كشط (١) عن أطباق السماوات.
ثمّ قال للملائكة : انظروا إلى أهل الأرض من خلقي من الجنّ والنسناس هل ترضون أعمالهم وطاعتهم لي؟ فاطّلعت ورأوا ما يعملون فيها من المعاصي وسفك الدماء والفساد في الأرض بغير الحقّ ، عظّموا ذلك وغضبوا لله ، وأسفوا على أهل الأرض ، ولم يملكوا غضبهم وقالوا : ربّنا أنت العزيز الجبّار القاهر (٢) العظيم الشأن ، وهؤلاء كلّهم خلقك الضعيف الذليل في أرضك ، كلّهم يتقلّبون في قبضتك ، ويعيشون برزقك ، ويتمتّعون بعافيتك ، وهم يعصونك بمثل هذه الذنوب العظام لا تغضب ولا تنتقم منهم لنفسك بما تسمع منهم وترى ، وقد عظم ذلك علينا وأكبرناه فيك.
قال : فلمّا سمع الله تعالى مقالة الملائكة قال : إنّي جاعل في الأرض خليفة ، فيكون حجّتي على خلقي في أرضي ، فقالت الملائكة : سبحانك ربّنا ، (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ)(٣).
فقال الله تعالى : يا ملائكتي (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ)(٤) ، إنّي أخلق خلقا بيدي أجعلهم خلفائي (٥) على خلقي في أرضي ينهونهم عن معصيتي ، وينذرونهم
__________________
(١) قال الفراهيدي في العين ٥ : ٢٨٩ : الكشط رفعك شيئا عن شيء قد غطّاه وغشيه من فوقه ، وقال الجوهري في الصحاح ٣ : ١١٥٥ : كشطت الجلّ عن ظهر الفرس ، والغطاء عن الشيء إذا كشفته عنه ، وكشطت البعير نزعت جلده ، وانظر : لسان العرب ٧ : ٣٨٧.
(٢) في جميع النسخ : (الطاهر) وما أثبتناه من البحار.
(٣) البقرة : ٣٠.
(٤) تتمّة الآية : ٣٠ من سورة البقرة.
(٥) في «ر» «س» «ص» : (إنّي أجعل خلفائي) ، وفي البحار : (إنّي أخلق خلقا بيدي ، وأجعل من ذرّيّته أنبياء ومرسلين وعبادا صالحين ، وأئمّة مهتدين ، وأجعلهم خلفائي).