أغزر منه ولا أقوى (١) ولا قرى أكبر منها ، وقد جعلوا في كلّ شهر من السنة في كلّ قرية عيدا يجتمع إليه أهلها ، فيضربون على الشجرة التي غرسوا من حبّ تلك الصنوبرة كلّة من حرير (٢) ، ثمّ يأتون بشاء (٣) وبقر فيذبحونها قربانا للشجرة هذا عيد شهر كذا ، فإذا كان عيد قريتهم العظيمة التي فيها الصنوبرة العظيمة ضربوا سرادق ديباج عليه ، ويجتمع عليه صغيرهم وكبيرهم ويسجدون له ويقرّبون الذبائح أضعاف ما قرّبوا للشجرة التي في قراهم.
فلمّا طال كفرهم بعث الله نبيّا يدعوهم إلى عبادة الله فلا يتّبعونه ، فلمّا رأى شدّة تماديهم ، قال : يا ربّ ، إنّ عبادك أبوا إلّا تكذيبي فأيبس شجرهم ، فأصبح القوم وقد يبس أشجارهم كلّها فهالهم ذلك ، فقالت فرقة : سحر آلهتكم هذا الرجل الذي يزعم أنّه رسول ربّ السماء والأرض (٤).
وقالت فرقة : لا بل غضبت آلهتكم ، فحجبت حسنها لتنتصروا منه ، فاجتمع رأيهم على قتله ، فاتّخذوا أنابيب طوالا من نحاس واسعة الأفواه ، ثمّ أرسلوها في قرار البئر واحدة فوق الأخرى مثل البرابخ (٥) ونزحوا ما فيها من الماء ، ثمّ حفروا في قعرها بئرا ضيّقة المدخل عميقة.
فأرسلوا فيها نبيّهم صلوات الله عليه وألقوا فيها (٦) صخرة عظيمة ، ثمّ أخرجوا الأنابيب من الماء ، فبقي عامّة قومه (٧) يسمعون أنين نبيّهم عليهالسلام ، وهو يقول : سيّدي
__________________
(١) قوله : (ولا أقوى) لم يرد في «ص» «م» ، وفي البحار : (ولا أعذب منه) بدلا من : (ولا أقوى).
(٢) كلّة ـ بالكسر ـ : الستر الرقيق.
(٣) في «ص» : (شاة) ، وشاء جمع شاة.
(٤) في «ر» «س» : (العالمين) بدلا من : (السماء والأرض).
(٥) في «ر» «س» : (النزايح) ، وفي العلل : (البرانخ) ، والمثبت من «م» والبحار ، والبرابخ : ما يعمل من الخزف للبئر ومجاري الماء.
(٦) في «ص» «م» : (ألقموا) ، وفي العلل والبحار : (ألقموا فاها) بدلا من : (ألقوا فيها).
(٧) في العلل : (عامّة يومهم).