فإن قلت : إذن الشارع في فعل المحرّم مع علم المكلّف بتحريمه إنّما ينافي حكم العقل من حيث إنّه إذن في المعصية والمخالفة ، وهو إنّما يقبح مع علم المكلّف بتحقّق المعصية حين ارتكابها حينئذ.
والإذن في ارتكاب المشتبهين ليس كذلك إذا كان على التدريج ، بل هو إذن في المخالفة مع عدم علم المكلّف بها إلّا بعدها ، وليس في العقل ما يقبّح ذلك وإلّا لقبح الإذن في ارتكاب جميع المشتبهات بالشبهة غير المحصورة أو في ارتكاب مقدار يعلم عادة بكون الحرام فيها ،
____________________________________
منافيا لحكم العقل بوجوب الامتثال والإطاعة ، لأنّ إذنه ترخيص في المعصية ، فينافي حكم العقل بقبح المعصية ووجوب الإطاعة.
(فإن قلت : إذن الشارع في فعل المحرّم مع علم المكلّف بتحريمه إنّما ينافي حكم العقل من حيث إنّه إذن في المعصية والمخالفة ، وهو إنّما يقبح مع علم المكلّف بتحقّق المعصية حين ارتكابها حينئذ).
وحاصل الإشكال ، هو أنّ ما ذكرت ـ من أنّ إذن الشارع وترخيصه في ارتكاب كلا المشتبهين ترخيص في المعصية ، فينافي حكم العقل بقبح المعصية ـ صحيح في الجملة ، أي : فيما إذا كان الارتكاب معصية في علم المكلّف حين الارتكاب ، بأن يرتكب المشتبهين دفعة ، ولا يتحقّق ذلك فيما إذا كان الارتكاب تدريجا ، لعدم علم المكلّف حين الارتكاب بكونه معصية ومخالفة.
نعم ، يحصل له العلم بالمعصية والمخالفة بعد ارتكاب جميع الأطراف تدريجا ، إلّا أنّه لا يكفي مجرّد العلم بالمخالفة ولو بعد الارتكاب في حكم العقل بالقبح.
ولهذا ذهب غير واحد من الاصوليّين إلى جواز ارتكاب المشتبهين بالتدريج ، ولا يكون ما ذكرت من التنافي بين ترخيص الشارع وحكم العقل ردّا لهذا القول ، نعم يكون ردّا لمن يقول بجواز الارتكاب مطلقا ، كما لا يخفى.
وبالجملة ، إنّ إذن الشارع في المخالفة مع عدم علم المكلّف بها ليس قبيحا عقلا ، حتى ينافي حكم العقل بالقبح ، والشاهد عليه وقوع نظائره في الشرع ، فإنّه لو كان إذن الشارع في المخالفة مطلقا قبيحا ، لكان إذنه في ارتكاب جميع المشتبهات بالشبهة غير المحصورة قبيحا كذلك ، وكان إذنه في ارتكاب مقدار يعلم عادة بكون الحرام فيها قبيحا