من هذه الجهة يحتاج إلى مزيد تأمّل.
بقي الكلام في أنّه كيف يقصد القربة بإتيان الأقلّ مع عدم العلم بكونه مقرّبا لتردّده بين الواجب النفسي المقرّب والمقدّمي الغير المقرّب؟ فنقول : يكفي في قصد القربة قصد التخلّص من العقاب ، فإنّها إحدى الغايات المذكورة في العبادات.
وأمّا الدليل النقلي : فهو الأخبار الدالّة على البراءة الواضحة سندا ودلالة ، ولذا عوّل عليها في المسألة من جعل مقتضى العقل فيها وجوب الاحتياط بناء على وجوب مراعاة العلم الإجمالي وإن كان الإلزام في أحد طرفيه معلوما بالتفصيل ، وقد تقدّم أكثر تلك الأخبار في الشكّ في التكليف التحريمي والوجوبي :
____________________________________
موضوع عدم البيان لما يشمل العلم الإجمالي ، فيمكن القول بوجوب الاحتياط في المقام ، نظرا إلى حصول العلم الإجمالي ، فيكون بيانا ينتفي به موضوع البراءة العقلية ، لذا قال المصنّف قدسسره : (والدليل العقلي على البراءة) ، أعني : قبح العقاب بلا بيان (من هذه الجهة) ، أي : من جهة أنّ تيقّن أحد الطرفين يوجب منع العقل عن مقتضى العلم الإجمالي أم لا(يحتاج إلى مزيد تأمّل).
(وأمّا الدليل النقلي) على البراءة في المقام (فهو الأخبار الدالّة على البراءة الواضحة سندا ودلالة) ، ودلالة هذه الأخبار على البراءة من الوضوح بما لا يحتاج إلى البيان ، ولذا استدلّ بها ـ على البراءة في المقام ـ من ينكر البراءة العقليّة في المقام وجعل مقتضى العقل في هذه المسألة وجوب الاحتياط عقلا ، وقبل بيان تقريب دلالة الأخبار على البراءة نذكر ما هو المستفاد من كلمات الأصحاب في هذه المسألة ، فنقول : إنّ الأقوال فيها ثلاثة :
الأوّل : وجوب الاحتياط مطلقا.
والثاني : البراءة مطلقا ، كما هو مختار المصنّف قدسسره.
والثالث : هو التفصيل بين البراءة العقليّة فلا تجري وبين البراءة الشرعيّة فتجري ، كما ذهب إليه المحقّق النائيني قدسسره ، حيث قال في وجهه ، بعد كلام طويل له في ردّ ما استدلّ به على البراءة ، ما حاصله :
من أنّ العقل يستقلّ بعدم كفاية الامتثال الاحتمالي للتكليف القطعي ضرورة أنّ الامتثال الاحتمالي إنّما يقتضيه التكليف الاحتمالي ، وأمّا التكليف القطعي فهو يقتضي