الحكم في تعارض كلّ أصلين إذا لم يكن أحدهما حاكما على الآخر هو التساقط ، لا التخيير.
فإن قلت : قوله : (كلّ شيء لك حلال حتى تعرف أنّه حرام) (١) ونحوه ، يستفاد منه حلّية المشتبهات بالشبهة المجرّدة عن العلم الإجمالي جميعا ، وحلّية الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي على البدل ، لأنّ الرخصة في كلّ شبهة مجرّدة لا تنافي الرخصة في غيرها ، لاحتمال كون الجميع حلالا في الواقع. فالبناء على كون هذا المشتبه بالخمر خلّا ، لا ينافي البناء على كون المشتبه الآخر خلّا.
وأمّا الرخصة في شبهة مقرونة بالعلم الإجمالي والبناء على كونه خلّا لمّا تستلزم وجوب
____________________________________
الاجتناب عن الحرام الواقعي ، فيجب الاجتناب عن كلا المشتبهين ، وهو المطلوب.
(فلا يبقى مجال للإذن في فعل أحدهما) لما عرفت من حكومة قاعدة الاشتغال على أصالة الحلّ ، وأنّ الحكم في تعارض الأصلين إذا لم يكن أحدهما حاكما على الآخر هو التساقط لا التخيير.
ومنها : ما أشار إليه بقوله : (فإن قلت : قوله : (كلّ شيء لك حلال حتى تعرف أنّه حرام) ... إلى آخره).
أي : ومن الوجوه التي استدلّ بها على عدم وجوب الموافقة القطعيّة هو ما ذكره المصنّف قدسسره بقوله : (فإن قلت).
وحاصل هذا الوجه هو أنّ أخبار الحلّ ، كما تدلّ على الحلّية في المشتبهات بالشبهة المجرّدة عن العلم الإجمالي جميعا ، كذلك تدلّ على حلّية المشتبهات بالشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي ، وحينئذ يقع التعارض بينها ، وبين قاعدة الاشتغال في مورد العلم الإجمالي ، ولأنّ مقتضى قاعدة الاشتغال هو وجوب الاجتناب عن الجميع ، ومقتضى عموم أدلّة الحلّ هو جواز الارتكاب في الجميع ، ومقتضى الجمع بينهما هو إبقاء مقدار الحرام ، وارتكاب الباقي ، ولازم هذا الجمع هو حلّية أحد المشتبهين على البدل تخييرا ، وحرمة الآخر ظاهرا.
ثمّ إنّ التخيير لم يكن مدلولا لأخبار الحلّ ، حتى يقال : إنّه مستلزم لاستعمالها في
__________________
(١) الكافي ٥ : ٣١٣ / ٤٠. التهذيب ٧ : ٢٢٦ / ٩٨٩. الوسائل ١٧ : ٨٩ ، أبواب ما يكتسب به ، ب ٤ ، ح ٤.