سوى خاصيّة نفس المأمور به وتركه ، كما هو شأن الطلب الإرشادي ، وإلى هذا المعنى أشار صلوات الله عليه ، بقوله : (اتركوا ما لا بأس به حذرا عمّا به البأس) (١) ، وقوله : (من ارتكب الشبهات وقع في المحرمات وهلك من حيث لا يعلم) (٢).
ومن هنا ظهر أنّه لا فرق في ذلك بين الاستناد في وجوب الاجتناب إلى حكم العقل ، وبين الاستناد فيه إلى حكم الشرع بوجوب الاحتياط.
وأمّا حكمهم بوجوب دفع الضرر المظنون شرعا واستحقاق العقاب على تركه وإن لم يصادف الواقع فهو خارج عمّا نحن فيه ، لأنّ الضرر الدنيوي ارتكابه مع العلم حرام شرعا ،
____________________________________
أن يأمر بالاجتناب عن مخالفة الأمر المولوي أمرا مولويّا حتى يلزم التسلسل ، بل يكفي أن يأمر بالاجتناب عن المخالفة إرشادا إلى ما حكم به العقل من وجوب الإطاعة وقبح المخالفة وحرمتها ، فالأمر بترك المخالفة والمعصية لو صدر عن الشارع كان إرشاديّا قطعا.
(وإلى هذا المعنى أشار صلوات الله عليه ، بقوله : (اتركوا ما لا بأس به حذرا عمّا به البأس)).
أي : إلى كون الأمر للإرشاد أشار صلىاللهعليهوآله بقوله : (اتركوا ما لا بأس به ... إلى آخره) وذلك لأنّ الأمر بالترك إرشادي بقرينة قوله صلىاللهعليهوآله : (حذرا عمّا به البأس) ، إذ معناه انحصار البأس في الحرام الواقعي ، والحذر إنّما يجب عن الحرام الواقعي.
(ومن هنا ظهر أنّه لا فرق في ذلك) ، أي : في كون الأمر بوجوب الاجتناب عن المشتبهين إرشاديّا(بين الاستناد في وجوب الاجتناب إلى حكم العقل ، وبين الاستناد فيه إلى حكم الشرع بوجوب الاحتياط) ، إذ قد عرفت كون أمر الشارع بوجوب الاحتياط للإرشاد.
قوله : (وأمّا حكمهم بوجوب دفع الضرر المظنون شرعا واستحقاق العقاب على تركه وإن لم يصادف الواقع).
دفع لما يتوهّم من أنّ دفع الضرر المظنون الدنيوي واجب مولوي ، فيترتّب على
__________________
(١) مصباح الشريعة : ٣٩.
(٢) الكافي ١ : ٦٨ / ١٠. الفقيه ٣ : ٦ / ١٨. الوسائل ٢٧ : ١٥٧ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٩.