إلّا أنّ هذا ليس بأولى من أن يقال : إنّ الخطابات بالاجتناب عن المحرّمات مطلقة غير معلّقة ، والمعلوم تقييدها بالابتلاء في موضع العلم بتقبيح العرف توجيهها من غير تعليق بالابتلاء ، كما لو قال : اجتنب عن ذلك الطعام النجس الموضوع قدّام أمير البلد ، مع عدم جريان العادة بابتلاء المكلّف به ، أو : لا تصرّف في اللباس المغصوب الذي لبسه ذلك الملك ، أو الجارية التي غصبها الملك وجعلها من خواصّ نسائه ، مع عدم استحالة ابتلاء المكلّف بذلك كلّه عقلا ولا عادة ، إلّا أنّه بعيد الاتّفاق ، وأمّا لو شكّ في قبح التنجيز فيرجع إلى الإطلاقات.
فمرجع المسألة إلى أنّ المطلق المقيّد بقيد مشكوك التحقّق في بعض الموارد لتعذّر ضبط مفهومه على وجه لا يخفى مصداق من مصاديقه ، كما هو شأن أغلب المفاهيم العرفيّة ، هل
____________________________________
وجوب الاجتناب عن الشبهة المحصورة في صورة الشكّ في الابتلاء ، فإنّ الخطابات بالاجتناب عن المحرّمات مطلقة ، وغير مقيّدة إلّا بالابتلاء فيما إذا علم عدم الابتلاء ، حيث يقبّح العرف توجيهها من غير تقييد بالابتلاء.
ففي صورة الشكّ في الابتلاء يرجع إلى الإطلاق ، ويحكم بوجوب الاجتناب في الشبهة المحصورة ، وقد أشار إليه بقوله :
(إلّا أنّ هذا ليس بأولى من أن يقال : إنّ الخطابات بالاجتناب عن المحرّمات مطلقة ... إلى آخره).
أي : الرجوع إلى الأصل العملي ليس أولى من الرجوع إلى الأصل اللفظي ، بل يجب الرجوع إلى الأصل اللفظي ، لأنّ الأصل اللفظي مقدّم رتبة على الأصل العملي.
فمقتضى إطلاق الخطابات بالاجتناب هو وجوب الاجتناب ، والمتيقّن هو تقييدها بما علم عدم الابتلاء به ، ولا يحتمل الابتلاء به إلّا بعيدا ، كالمثال المذكور في المتن ، (فيصير الأصل في المسألة وجوب الاجتناب) فيما لم يعلم خروج بعض الأطراف عن محلّ الابتلاء ، بمقتضى التمسّك بإطلاق المطلق ، ولا يسري إجمال القيد إلى إطلاق المطلق حتى يرجع إلى البراءة عن التكليف المنجّز.
وأمّا الضابط الشرعي الذي يتميّز به مورد الابتلاء عن غيره فهو صحيحة عليّ بن جعفر المتقدّمة ، حيث جعل الملاك للابتلاء كلّ ما يكون من قبيل الماء في الإناء ، والملاك