ويمكن الفرق من المجوّزين لارتكاب ما عدا مقدار الحرام وتخصيص الجواز بالصورة الاولى ، ويحكمون في الثانية بعدم جواز الارتكاب ، بناء على العمل بالأصل فيهما ، ولا يلزم هاهنا مخالفة قطعيّة في العمل ، ولا دليل على حرمتها إذا لم تتعلّق بالعمل إذا وافق الاحتياط.
____________________________________
أمّا وجوب الاجتناب عن الملاقي لو كان وجوب الاجتناب عنهما من جهة استصحاب النجاسة ، فلأنّ معنى استصحاب النجاسة هو ترتيب آثارها ، ومن جملة الآثار هي نجاسة الملاقي.
وكيف كان ، فظاهر الأصحاب هو الاستدلال على وجوب الاجتناب في الشبهة المحصورة بقاعدة الاحتياط بعد تساقط الاصول في أطراف العلم الإجمالي بالتعارض ، سواء كان مقتضى الأصل مع قطع النظر عن العلم الإجمالي هو الحلّ أو الحرمة.
ومثال الأوّل : ما إذا علم الزوج إجمالا بطلاق إحدى محلّلاته ، حيث يكون مقتضى استصحاب الزوجيّة حلّية كلّ منهنّ.
ومثال الثاني : ما تقدّم من كون المشتبهين مسبوقين بالنجاسة ، ثمّ علم إجمالا بزوال نجاسة أحدهما ، حيث يقتضي استصحاب النجاسة فيهما حرمة كلّ منهما.
(ويمكن الفرق من المجوّزين لارتكاب ما عدا مقدار الحرام ... إلى آخره).
وحاصل الفرق ، هو أنّ أصالة الحلّ مع قطع النظر عن العلم الإجمالي وإن كانت تقتضي ارتكاب الجميع ، إلّا أنّه لا بدّ من رفع اليد عنها في مقدار الحرام ، فيجب الاجتناب عن مقدار الحرام نظرا إلى العلم الإجمالي بوجود الحرام ، وفرارا عن مخالفته العمليّة القطعيّة.
وهذا بخلاف ما إذا كان مقتضى الأصل هو الحرمة ، فإنّه يجب الاجتناب عن كلا المشتبهين عملا بأصالة الحرمة في كلا المشتبهين ، وبذلك يخرج هذا القسم عن محلّ النزاع بين من يقول بالاحتياط ومن يقول بالبراءة ، لوجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين على كلا القولين ، ويختصّ النزاع فيما إذا كان مقتضى الأصل هو الحلّ ، كما عرفت.
ثمّ إنّ تخصيص الفرق المذكور بالمجوّزين يكون من جهة عدم مجال له على القول بوجوب الاحتياط والموافقة القطعيّة ، لفرض وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين بقاعدة الاشتغال ، بعد تساقط الاصول بالتعارض فيما إذا كان مقتضى الأصل هو الحلّ ، وبالعمل بالأصلين فيما إذا كان مقتضى الأصل هو الحرمة ، لأنّ العمل بكلا الأصلين لا يوجب