بناء على أنّ المراد أنّ ما كان الغالب فيه الحرج على الغالب فهو مرتفع عن جميع المكلّفين ، حتى من لا حرج بالنسبة إليه.
وهذا المعنى وإن كان خلاف الظاهر إلّا أنّه يتعيّن الحمل عليه بمعونة ما ورد من إناطة
____________________________________
الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وأمثاله من عمومات الآيات والأخبار ، والمراد بالحرج المنفي في الدين هو الحرج الغالبي بالنسبة إلى أفراد المكلّف وجزئيّات الفعل ، بأن يكون الفعل حرجيّا بالنسبة إلى غالب جزئياته في حقّ غالب المكلّفين ، فحكم هذا الفعل مرفوع عن جميع جزئياته حتى عمّا لا حرج فيه اصلا ، وكذا مرفوع عن جميع المكلّفين حتى عن المكلّف الذي لا يكون الفعل في حقّه حرجيّا.
إذا عرفت هذه المقدّمة ، يتّضح لك نفي وجوب الاجتناب في الشبهة غير المحصورة بما دلّ على نفي العسر والحرج في الشرع ، إذ يكون الاجتناب في الشبهة المحصورة من صغريات ما يستفاد من عمومات الآيات والأخبار من الكبرى الكلّية ، وهي عدم جعل الحكم الحرجي في الشرع ، وتكون نتيجة ضمّ هذه الصغرى ـ أي : كون وجوب الاجتناب عن الشبهة غير المحصورة حكما حرجيّا إلى تلك الكبرى ، إلى كون كلّ حكم حرجي منفيّا ومرفوعا ـ نفي وجوب الاجتناب في الشبهة غير المحصورة ، وعلى ما ذكرنا من أنّ المراد بالحرج المنفي هو الحرج الغالبي لا يرد ما يقال ، من أنّ مقتضى هذا الدليل رفع وجوب الاحتياط في الشبهة غير المحصورة ، التي يكون الاحتياط فيها حرجيّا ، فيكون الدليل أخصّ من المدّعى ، وقد أشار المصنّف قدسسره إلى دفع هذا الإيراد بقوله :
(بناء على أنّ المراد أنّ ما كان الغالب فيه الحرج على الغالب فهو مرتفع عن جميع المكلّفين ، حتى من لا حرج بالنسبة إليه).
وقد تقدّم تفصيل ذلك في تقريب هذا الدليل ، وحينئذ لا يكون الدليل أخصّ من المدّعى.
(وهذا المعنى وإن كان خلاف الظاهر) ، أي : رفع الحكم الحرجي عن جميع المكلّفين إذا كان حرجيّا على أكثرهم وإن كان على خلاف ظاهر آية الحرج ؛ لأن ظاهر ضمير الجمع المخاطب في قوله تعالى : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(١) توجّه الخطاب إلى كلّ
__________________
(١) الحج : ٧٨.