وإن شئت قلت : إنّ ارتكاب المحتمل في الشبهة الغير المحصورة لا يكون عند العقلاء ، إلّا كارتكاب الشبهة غير المقرونة بالعلم الإجمالي ، وكأنّ ما ذكره الإمام عليهالسلام في الرواية المتقدّمة من قوله : (أمن أجل مكان واحد) (١) الخبر ، بناء على أنّ الاستدلال به إشارة إلى هذا المعنى ، حيث جعل كون حرمة الجبن في مكان واحد ، منشأ لحرمة جميع محتملاته الغير المحصورة من المنكرات المعلومة عند العقلاء التي لا ينبغي للمخاطب أن يقبلها ، كما يشهد بذلك كلمة
____________________________________
لأجل وجوب دفع الضرر ... إلى آخره).
وتقريب هذا الوجه على أصالة البراءة في الشبهة غير المحصورة بأحد وجهين على ما يظهر من كلام المصنّف قدسسره :
أحدهما : إنّ المانع من أصالة البراءة في مورد العلم الإجمالي بوجود الحرام ، هو حكم العقل بوجوب الاجتناب عن أطراف العلم الإجمالي من باب وجوب المقدّمة العلميّة دفعا للعقاب المحتمل في كلّ طرف من أطراف العلم الإجمالي.
ومن المعلوم أنّ وجوب الاجتناب عن أطراف الشبهة دفعا للعقاب المحتمل إنّما يتمّ في الشبهة المحصورة ، لأنّ احتمال العقاب في كلّ من الطرفين احتمال عقلائي يحكم العقل والعقلاء بوجوب دفعه من باب المقدّمة العلميّة ، ولكنّه لا يتمّ في الشبهة غير المحصورة ؛ وذلك لأنّ احتمال العقاب في كلّ من أطراف الشبهة غير المحصورة يكون في غاية الضعف لكثرة المحتملات ، فلا يجب دفعه ـ حينئذ ـ من باب المقدّمة العلميّة ، ولذلك تجري فيه أصالة البراءة على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي دام ظله.
وثانيهما : إنّ كثرة الاحتمالات في أطراف العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة توجب تنزيل العلم الإجمالي منزلة العدم ، فتكون الشبهة غير المحصورة ـ حينئذ ـ كالشبهة البدويّة تجري فيها أصالة البراءة ، كما تجري في الشبهة البدويّة ، كما أشار إليه المصنّف قدسسره بقوله :
(وإن شئت قلت : إنّ ارتكاب المحتمل في الشبهة الغير المحصورة لا يكون عند العقلاء ، إلّا كارتكاب الشبهة غير المقرونة بالعلم الإجمالي).
__________________
(١) المحاسن ٢ : ٢٩٦ / ١٩٧٦. الوسائل ٢٥ : ١١٩ ، أبواب الأطعمة المباحة ، ب ١٦ ، ح ٥.