الأوامر مختصّا بالعالم بها ، وإلّا لزم الدور ، كما ذكره العلّامة رحمهالله في التحرير ، لأنّ العلم بالوجوب موقوف على الوجوب ، فكيف يتوقّف الوجوب عليه؟.
____________________________________
وتقريب الدور ، هو أنّ العلم من الصفات ذات الإضافة وهو الإدراك ، فلا بدّ له من مدرك ـ بالفتح ـ كما لا بدّ له من مدرك ـ بالكسر ـ ويجب أن يكون المدرك وهو متعلّق العلم متحقّقا قبل العلم ، كي يتعلّق به العلم ، فإذا تعلّق العلم بوجوب شيء لكان الواجب أن يكون الوجوب موجودا قبل تعلّق العلم به ، وحينئذ لو فرض كون تحقّق الوجوب موقوفا من باب كون العلم شرطا لتحقّقه لزم ما ذكر من الدور ، لأنّ العلم موقوف على الوجوب من باب توقّفه على المتعلّق ، والوجوب موقوف على العلم من باب توقّف المشروط على شرطه.
كما أشار إليه المصنّف قدسسره بقوله :
(لأنّ العلم بالوجوب موقوف على الوجوب ، فكيف يتوقّف الوجوب عليه؟).
أي : لا يعقل أن يتوقّف الوجوب على العلم للزوم الدور المحال.
ولهذا لا بدّ أن يقال : إنّ العلم شرط لتنجّز التكليف ، لا لأصل التكليف كالعقل والبلوغ ، وإذا ثبت كونه شرطا للتنجّز لا يفرّق بين العلم التفصيلي والإجمالي ، فحينئذ يكون ثبوت الخطاب العامّ مع عدم المانع من تنجّز مقتضاه علّة تامّة لحكم العقل بوجوب الاحتياط ، بل يمكن أن يقال : بكون العلم الإجمالي علّة تامّة لحرمة المخالفة القطعيّة ووجوب الموافقة القطعيّة.
ويؤيّده ما تقدّم من أنّ العقلاء لا يفرّقون بين العلم التفصيلي والإجمالي في تنجّز التكليف بهما ، ومن الثابت في محلّه أنّ طريقة الشارع في إطاعة الأوامر الشرعيّة هي نفس طريقة العقلاء في إطاعة أوامرهم العرفيّة ، فكما يجب إطاعة الأمر المعلوم إجمالا عند العقلاء يجب عند الشارع أيضا.
نعم ، بينهما فرق شرعا من جهة اخرى وهي : أنّه يصحّ مع العلم الإجمالي أن يجعل الشارع بعض أطراف العلم الإجمالي بدلا عن الواقع ، بأن يكتفي في امتثال الواقع في مورد العلم الإجمالي ، بالإطاعة الاحتماليّة التي هي المرتبة الوسطى بين الإطاعة القطعيّة والمخالفة القطعيّة.