فإن قلت : إنّ تجويز الشارع لترك أحد المحتملين والاكتفاء بالآخر يكشف عن عدم كون العلم الإجمالي علّة تامّة لوجوب الإطاعة حينئذ ، كما أنّ عدم تجويز الشارع للمخالفة مع العلم التفصيلي دليل على كون العلم التفصيلي علّة تامّة لوجوب الإطاعة ، وحينئذ فلا
____________________________________
الاولى : هي الأولويّة ، وذلك لأنّ موردها هو الأقلّ والأكثر ، فإذا ثبت وجوب الاحتياط في دوران الواجب بين الأقلّ والأكثر في مورد الرواية ثبت وجوبه في المقام ، أي : دوران الواجب بين المتباينين بطريق أولى ، وذلك لإمكان انحلال العلم الإجمالي في مورد الأقلّ والأكثر دون مورد المتباينين.
والثانية : من جهة المماثلة ، فيقال : إنّ المراد بالمماثلة فيها هي المماثلة في الجملة ، فيكون المقام ـ حينئذ ـ مماثلا لمورد الرواية ، فإذا وجب الاحتياط في موردها وجب في المقام ـ أيضا ـ من جهة المماثلة ، إلّا أنّ الاستدلال بها لا يتمّ لأحد وجهين :
أحدهما : إنّ الرواية مختصّة بصورة تمكّن المكلّف من العلم وإزالة الشبهة بقرينة قول الإمام عليهالسلام : (حتى تسألوا عنه وتعلموا) فتكون أجنبيّة عن محلّ الكلام.
وثانيهما : إنّ موردها يكون من الأقلّ والأكثر الاستقلاليّين ، ومن المعلوم أنّ جريان البراءة في مورد الأقلّ والأكثر الاستقلاليّين يعدّ من المسلّمات التي لا خلاف فيها ، وأمّا القائلون بالتخيير في المقام فقد استدلّوا عليه بوجوه :
منها : ما يرجع إلى منع كون العلم الإجمالي علّة تامّة لوجوب الاحتياط في نظر العقل.
ومنها : ما يرجع إلى وجود المانع الشرعي وهو أخبار البراءة.
ومنها : ما يرجع إلى وجود المانع العقلي ، أعني : التشريع.
وقد أشار المصنّف قدسسره إلى الوجه الأوّل بقوله :
(فإن قلت : إنّ تجويز الشارع لترك أحد المحتملين والاكتفاء بالآخر) مثل تجويز الشارع في ترك الصلاة قصرا باستصحاب التمام ذهابا لمن يشكّ في المسافة ، وإذنه في ترك الصلاة تماما باستصحاب القصر إيابا لمن شكّ في الوصول إلى حدّ الترخّص ، وهذا الإذن من الشارع في ترك أحدهما والاكتفاء بالآخر في دوران الواجب بين المتباينين يكشف عن عدم كون العلم الإجمالي علّة تامّة لوجوب الاحتياط. هذا ملخّص الكلام.
وأمّا تفصيله أكثر ممّا ذكرنا ، فيحتاج إلى مقدّمة وهي :