وأمّا إثبات وجوب التكرار شرعا في ما نحن فيه بالاستصحاب وحرمة نقض اليقين بغير اليقين شرعا فقد تقدّم في المسألة الاولى عدم دلالة الاستصحاب على ذلك ، إلّا بناء على أنّ المستصحب تترتّب عليه الامور الاتفاقيّة المقارنة معه ، وقد تقدّم إجمالا ضعفه وسيأتي إن شاء الله تعالى تفصيلا.
____________________________________
والثاني : أن يكون وجوب كلّ منهما نفسيّا.
ثمّ يظهر الفرق بين الاحتمالات الثلاث في ترتّب الثواب على الموافقة والعقاب على المخالفة ، فلا يترتّب على الاحتمال الأوّل إلّا ثوابا واحدا على موافقة ما هو الواجب واقعا ، وعقابا واحدا على مخالفة ما هو الواجب في الواقع ؛ وذلك لأنّ المفروض هو كون الواجب واحدا.
وكذلك الاحتمال الثاني ، وهو أن يكون وجوب كلّ واحد منهما وجوبا شرعيّا مقدّميا لا نفسيّا ، فيترتّب على الموافقة ثوابا واحدا وعلى المخالفة عقابا واحدا ـ أيضا ـ وذلك لعدم ترتّب العقاب والثواب على الوجوب الغيري.
وأمّا على الاحتمال الثالث ، وهو كون وجوب كلّ واحد منهما وجوبا شرعيّا نفسيّا ، فيترتّب على موافقة كلّ من المحتملات الثواب وعلى مخالفة كلّ واحد منهما العقاب ، فيكون الثواب متعدّدا بمقدار المحتملات وكذلك العقاب ، إلّا أنّ هذا الاحتمال بعيد جدا ؛ وذلك لعدم الدليل عليه ، إذ أنّ أخبار الاحتياط إرشاديّة إلى حكم العقل لا غير.
وكيف كان ، فإنّ وجوب كلّ من المحتملات عقلي ، يحكم به من باب وجوب دفع العقاب المحتمل على ترك أحد المحتملين بعد وجود المقتضي ، وهو العلم الإجمالي الموجب لتنجّز التكليف وعدم المانع ، كما عرفت سابقا.
قوله : (وأمّا إثبات وجوب التكرار شرعا في ما نحن فيه بالاستصحاب وحرمة نقض اليقين بغير اليقين شرعا فقد تقدّم في المسألة الاولى عدم دلالة الاستصحاب على ذلك ... إلى آخره) دفع لما يتوهّم من أنّ مقتضى استصحاب عدم الإتيان بالمأمور به هو التكرار ، فيكون جميع ما يكرّر واجبا شرعا لا عقلا.
وحاصل الدفع ، هو أنّ الاستصحاب في المقام يكون من الاصول المثبتة ؛ لأنّ كون الواجب هو المحتمل الثاني لازم عقلي لعدم إتيان المأمور به ، وسيأتي في بحث