أنّ المقتضي ـ وهو تعلّق الوجوب الواقعي بالأمر الواقعي المردّد بين الأقلّ والأكثر ـ موجود ، والجهل التفصيلي به لا يصلح مانعا ، لا عن المأمور به ولا عن توجّه الأمر ،
____________________________________
وإن شئت قلت : إنّ العلم الإجمالي بالتكليف منجّز على المكلّف ، غاية الأمر يدور أمر الواجب بين الطبيعة المشتملة على الأقلّ أو المشتملة على الأكثر ، فكما أنّ وجوب الأكثر بخصوصه مشكوك فتجري فيه أصالة البراءة وكذلك الأقلّ ، وبعد تعارض الأصل في الطرفين وسقوط كلّ منهما يجب العمل بالاحتياط وذلك بإتيان الأكثر ؛ لأنّ الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينيّة وهي لا تحصل إلّا بإتيان الأكثر ، وقياس المقام بالأقلّ والأكثر الاستقلاليّين ـ كما مسألة في الدين ـ قياس مع الفارق ؛ وذلك لأنّ الأقلّ في مسألة الدين واجب نفسي متيقّن على كلّ تقدير ، بحيث لو اقتصر على إتيانه يحصل الامتثال بالنسبة إليه ولو كان الواجب في الواقع هو الأكثر.
وهذا بخلاف المقام حيث لا يكون وجوب الأقلّ متيقّنا بعد فرضه مباينا للأكثر وكونه طبيعة خاصة والأكثر طبيعة خاصة اخرى ، ومجرّد دخول أجزاء الأقلّ في الأكثر لا يوجب رفع اليد عن الاختلاف الحاصل بين الطبيعتين ، وحينئذ فلا يحصل اليقين بفراغ الذمة بإتيان الأقلّ ، فيجب الإتيان بالأكثر حتى يحصل اليقين بالامتثال.
وبالجملة ، إنّ المقتضي لوجوب الاحتياط في المقام موجود والمانع عنه مفقود ؛ ولذلك يجب التمسّك به. أمّا وجود المقتضي فقد أشار إليه قدسسره بقوله : (إنّ المقتضي وهو تعلّق الوجوب الواقعي بالأمر الواقعي) ، أي : بالواجب الواقعي لا بالواجب المعلوم وجوبه تفصيلا ؛ لأنّه مستلزم للدور والتصويب ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي.
وأمّا عدم المانع فقد أشار إليه بقوله : (والجهل التفصيلي به لا يصلح مانعا ، لا عن المأمور به ولا عن توجّه الأمر) ، بمعنى أنّ العلم ليس شرطا لتنجّز التكليف ، لا من جهة كونه شرطا لوجود المأمور به ؛ لأنّ القصد التفصيلي لا يعتبر في صحة المأمور به إلّا مع العلم التفصيلي.
ولا من جهة قبح عقاب الجاهل ، وإلّا لزم محذوران : أحدهما : جواز المخالفة القطعيّة ، وثانيهما : قبح عقاب الجاهل المقصّر مع أنّ عقابه ليس بقبيح.
ولا من جهة لزوم التكليف بالمجمل لجوازه في الجملة ، والإجمال عرضي لا يمنع من التكليف ، ودفع الضرر المحتمل واجب عقلا ، ودلالة أدلّة البراءة على جواز ترك الكلّ