وما ذكر في المتباينين ـ سندا لمنع كون الجهل مانعا من استلزامه لجواز المخالفة القطعيّة وقبح خطاب الجاهل المقصّر ، وكونه معذورا بالنسبة إلى الواقع ، مع أنّه خلاف المشهور ، أو المتّفق عليه ـ غير جار في ما نحن فيه.
____________________________________
مسوّغا لصحة المؤاخذة كما عرفت.
(وما ذكر في المتباينين سندا لمنع كون الجهل مانعا) ، إذ أنّ الجهل ليس مانعا من توجّه التكليف إلى المكلّف في مسألة دوران الواجب بين المتباينين ؛ وذلك لأنّ الجهل لو كان مانعا عن التكليف يلزم منه أحد أمرين :
أحدهما : جواز المخالفة القطعيّة ، إذ لو لم يكن التكليف منجّزا من جهة كون الجهل مانعا جازت مخالفته القطعيّة.
وثانيهما : قبح عقاب الجاهل المقصّر وكونه معذورا بالنسبة إلى الواقع ، والتالي بكلا قسميه باطل فالمقدّم مثله ، والاستدلال بالقياس الاستثنائي يتوقف على إثبات أمرين :
أحدهما : الملازمة بين المقدّم والتالي.
وثانيهما : رفع التالي حتى ينتج رفع المقدّم ، والملازمة في المقام واضحة وإنّما الكلام في إثبات بطلان التالي بكلا قسميه ، أمّا بطلان القسم الأوّل وهو جواز المخالفة القطعيّة فواضح ؛ لأنّ حرمة المخالفة القطعيّة اتفاقيّة ، وأمّا بطلان القسم الثاني وهو قبح خطاب الجاهل المقصّر وكونه معذورا بالنسبة إلى الواقع ، فلكونه مخالفا للمشهور ؛ وذلك لأنّ المشهور هو عدم كون الجاهل المقصّر معذورا بالنسبة إلى الواقع ، فلا يكون خطابه ولا عقابه قبيحا.
ولقد خالف المشهور في هذه المسألة صاحب المدارك وشيخه قدسسرهما على ما في شرح التنكابني ، حيث ذهبا إلى قبح خطاب الجاهل المقصّر وكونه معذورا بالنسبة إلى الواقع ، وأنّ العقاب إنّما هو على ترك التعلّم ، لا على ترك الواقع المجهول ، هذا وأنّ عدم قبح الخطاب وكون الجاهل المقصّر معذورا بالنسبة إلى الواقع مخالف للاتفاق ، كما أشار إليه قدسسره بقوله : (مع أنّه خلاف المشهور ، أو المتّفق عليه) ، إلّا أنّ هذا الإجماع يحمل على الإجماع الدخولي ، فمخالفة صاحب المدارك وشيخه قدسسرهما لا تضر بالإجماع لكونهما معلومي النسب.