أمّا الأوّل ؛ فلأنّ عدم جواز المخالفة القطعيّة لكونها مخالفة معلومة بالتفصيل ، فإنّ وجوب الأقلّ بمعنى استحقاق العقاب بتركه معلوم تفصيلا وإن لم يعلم أنّ العقاب لأجل ترك نفسه أو لترك ما هو سبب في تركه وهو الأكثر.
____________________________________
وكيف كان ، فالاستدلال المذكور يثبت عدم كون الجهل مانعا عن التكليف في مسألة دوران الواجب بين المتباينين ، فلذا يجب الاحتياط هناك ، إلّا أنّ هذا الاستدلال لا يأتي في ما نحن فيه من دوران الواجب بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين ، كما أشار إليه قدسسره بقوله : (غير جار في ما نحن فيه) ، وحينئذ لا بدّ من الفرق بين ما نحن فيه وبين مسألة دوران الواجب بين المتباينين.
وحاصل الفرق هو أنّ الجهل لو كان مانعا عن تنجّز التكليف الواقعي في مسألة دوران الواجب بين المتباينين لكان ذلك مستلزما لجواز المخالفة القطعيّة ، إذ مع عدم التنجّز يدور أمر المشتبهين تركا وفعلا بين امور واحتمالات متعددة :
منها : جواز ترك أحدهما المعيّن عندنا.
ومنها : جواز ترك أحدهما لا بعينه ومخيّرا.
ومنها : جواز ترك كليهما.
ومن الواضح أنّه لا يمكن الالتزام بهذه الاحتمالات الثلاثة بعد إجراء أصالة البراءة ؛ وذلك لأنّ الالتزام بالأوّل مستلزم للترجيح من دون مرجّح ، والثاني خارج عن مدلول الخطاب الواقعي ، والثالث مستلزم للمخالفة القطعيّة مع أنّ حرمتها اتفاقيّة ، بينما لا يلزم أيّ محذور من هذه الثلاثة لو كان الجهل مانعا عن تنجّز التكليف في مسألة دوران الواجب بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين ؛ وذلك لأنّ العلم الإجمالي في ما نحن فيه ينحلّ إلى علم تفصيلي بالنسبة إلى الأقلّ وهو العلم بمطلوبيّة الأقلّ وشكّ بدوي بالنسبة إلى الأكثر ، فيؤخذ بالأقلّ لكونه متيقّنا وينفي وجوب الأكثر بأصالة البراءة من دون لزوم المخالفة القطعيّة ، كما أشار إليه قدسسره :
(أمّا الأوّل) ، أي : عدم لزوم جواز المخالفة القطعيّة (فلأنّ عدم جواز المخالفة القطعيّة لكونها مخالفة معلومة بالتفصيل) ، أي : المخالفة القطعيّة تتحقّق بترك الأقلّ ، وهذه المخالفة غير جائزة أصلا لكونها مخالفة تفصيليّة ، وهي قبيحة عقلا ومحرّمة شرعا.