____________________________________
المصنّف قدسسره لما تقدّم عن صاحب الفصول قدسسره من تقديم أدلّة الاحتياط على أخبار البراءة ؛ لأنّ موضوع البراءة هو عدم الطريق على الحكم الشرعي نفيا أو إثباتا ، وأدلّة الاحتياط طرق شرعيّة فتكون حاكمة على البراءة ، إذ لا يصدق الحجب معها (وإلّا لدلّت) ، أي : لو لم يكن الأمر كذلك لكانت أدلّة البراءة مقدّمة على أدلّة الاحتياط.
ومن هنا يتولّد قياس استثنائي وهو أنّه لو كانت أدلّة البراءة مقدّمة على أدلّة الاحتياط لكانت مقدّمة على الأمارات الظنيّة كخبر الواحد أيضا ، والتالي باطل قطعا ، إذ لم يقل أحد بتقديم أدلّة البراءة على الأمارات الظنيّة ، فالمقدّم مثله ، أي : تقديم أدلّة البراءة على أدلّة الاحتياط ، فيكون الأمر بالعكس وهو تقديم أدلّة الاحتياط على البراءة.
هذا ما تقدّم من صاحب الفصول قدسسره فردّه المصنّف قدسسره بما حاصله : بأنّ الملازمة غير ثابتة وذلك للفرق بين أدلّة الاحتياط والأمارات ، فنظرا إلى هذا الفرق تنتفي الملازمة المذكورة في القياس الاستثنائي ، فحكومة أدلّة البراءة حينئذ على أدلّة الاحتياط لا تستلزم حكومتها على الأمارات أيضا ، بل الأمر بالعكس وهو حكومة الأمارات على البراءة ، ومع ذلك تكون أدلّة البراءة حاكمة على أدلّة الاحتياط ، أي : قاعدة الاشتغال.
وحاصل الفرق : إنّ الشارع نزّل مؤدّيات الأمارات بمنزلة الواقع ، وقد ألغى احتمال الخلاف فيها ، وجعلها ـ بأدلّة اعتبارها ـ بمنزلة القطع ، فكأنّه قال الشارع : كلّ ما أدّت إليه هذه الأمارات افرضه نفس الواقع ، بإلغاء احتمال تخلّفها عنه ، وترتيب آثار الواقع عليه ، هذا معنى اعتبار الأمارات شرعا ، ومعنى قاعدة الاشتغال هو حكم العقل بالاحتياط دفعا للعقاب المحتمل المترتّب على مخالفة المأمور به وتحصيلا للأمن عن العقاب.
فإذا دلّ دليل على عدم وجوب الأكثر في المقام كأخبار البراءة لحصل الأمن من العقاب بها على ترك الأكثر ، وينتفي احتمال العقاب ، فكيف يحكم العقل بالاحتياط دفعا للعقاب؟.
وحينئذ فالمتحصل ، إنّ حكومة أخبار البراءة مقدّمة على قاعدة الاشتغال لأجل حصول الأمن بها عن العقاب على ترك الأكثر ، وإن كان واجبا في الواقع لا تستلزم حكومتها على الأمارات وأخبار الآحاد حتى يستدلّ بالقياس الاستثنائي على تقديم أدلّة الاحتياط على أدلّة البراءة ، ويقال : إنّه لو كانت أدلّة البراءة مقدّمة على أدلّة الاحتياط لكانت مقدّمة