والذي يقتضيه التدبّر في جميع المطلقات الواردة في الكتاب في مقام الأمر بالعبادة كونها في غير مقام بيان كيفيّة العبادة.
فإنّ قوله تعالى : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ)(١) ، إنّما هو في مقام بيان تأكيد الأمر بالصلاة والمحافظة عليها ، نظير قوله : (من ترك الصلاة فهو كذا وكذا) (٢) ، و (أنّ صلاة فريضة خير من عشرين أو
____________________________________
ذكر اللفظ المجمل لعدم كونه في مقام البيان التامّ ، ولا يجوز لأحد أن يتمسّك بالإطلاق ويدفع القيود المحتملة للمطلق بالأصل.
فيقول : إنّ الأصل هو عدم التقييد ؛ وذلك لأنّ الأصل لا يقيد إلّا فيما إذا كان المتكلّم في مقام البيان التام ، إذ يقبح ـ حينئذ ـ منه أن يريد قيدا ولم يبنه بأن يأتي بالكلام المطلق ، لكونه مستلزما للتكليف بما لا يطاق ، كما لا يخفى.
ألا ترى أنّ المولى إذا قال : اعتق رقبة وهو في مقام البيان التامّ وعلمنا بالوجدان أو بالأصل عدم تقييد الرقبة بالإيمان مثلا جاز لنا أن نأخذ بالإطلاق ؛ لأنّ إرادة الرقبة المؤمنة مع عدم ذكر القيد ـ وهو في مقام البيان التامّ ـ تكليف بما لا يطاق ، وهو قبيح عقلا ولا يجوز شرعا.
(والذي يقتضيه التدبّر في جميع المطلقات الواردة في الكتاب في مقام الأمر بالعبادة كونها في غير مقام بيان كيفيّة العبادة) ، إذ لو كانت في مقام البيان لذكرت قيودها معها ، مع أنّ القيود مبنيّة في الأزمنة المتأخّرة بواسطة أخبار المعصومين عليهمالسلام.
فحينئذ لو كان المراد بها بيان الإطلاق لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وهو قبيح عقلا ، فلا بدّ من أن يقال بأنّها لم تكن في مقام البيان أصلا ، وإنّما جاءت في مقام تأكيد الأمر بالعبادة ، كما أشار إليه قدسسره بقوله :
(فإنّ قوله تعالى : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) إنّما هو في مقام بيان تأكيد الأمر بالصلاة والمحافظة عليها) ، وممّا يؤكد كون هذه الأوامر للتأكيد هو ورود الأمر بالعبادات ، كالصلاة ، والصوم ، ونحوهما في غير موضع من الكتاب ، فهذا التكرار ليس إلّا للتأكيد.
__________________
(١) البقرة : ١١٠.
(٢) الفقيه ٣ : ٣٦٩ / ٢ ، وفيه : (من ترك الصلاة متعمدا فقد برىء من ذمّة الله وذمّة رسول صلىاللهعليهوآله). والوسائل ١٥ : ٣٢٠ ، أبواب جهاد النفس ، ب ٤٦ ، ح ٢.