وبالجملة : فحيث لا يقبح من المتكلّم ذكر اللّفظ المجمل لعدم كونه إلّا في مقام هذا المقدار من البيان ، لا يجوز أن يدفع القيود المحتملة للمطلق بالأصل ؛ لأنّ جريان الأصل لا يثبت الإطلاق وعدم إرادة المقيّد ، إلّا بضميمة أنّه إذا فرض ولو بحكم الأصل عدم ذكر القيد وجب إرادة الأعمّ من المقيّد وإلّا قبح التكليف ، لعدم البيان ، فإذا فرض العلم بعدم كونه في مقام البيان لم يقبح الإخلال بذكر القيد من إرادته في الواقع.
____________________________________
البيان ، فلا يجوز للمريض أن يأخذ بإطلاق كلامه ويشرب أيّ دواء كان ، وهذا بخلاف ما إذا ذهب عنده في عيادته فقال الطبيب له بعد الفحص عن مرضه : اشرب اللبن ، فيجوز له الأخذ بإطلاق كلامه لو حصل له التردّد بين لبن الشاة وغيره ، وهكذا فيما إذا أمر المولى عبده بالسفر ، بأن يقول : يجب عليك المسافرة غدا ، لا يجوز للعبد الأخذ بالإطلاق ثمّ السفر إلى أيّ مكان شاء ؛ لأنّ المولى لم يكن في مقام البيان ، بل كان غرضه تنبيه العبد ، وهذا بخلاف ما إذا دفع له مصرف السفر ثمّ قال له : اذهب إلى البلد واشتر لوازم البيت ، حيث يجوز ـ حينئذ ـ له الأخذ بالإطلاق والذهاب إلى أيّ بلد شاء.
ومنها : أن لا يكون الإطلاق واردا في مقام بيان حكم آخر ، كقوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ)(١).
حيث إنّه في الآية كان في مقام بيان جواز أكل الصيد الذي أمسكه كلب الصيد وليس في مقام بيان الحكم بطهارة موضع فم الكلب من الصيد أيضا ، ولهذا لا يجوز التمسّك بإطلاقه للحكم بطهارة الموضع المذكور أيضا ، نظرا إلى عدم تقييد جواز الأكل بغسل الموضع ؛ وذلك لأنّ الآية وردت في مقام بيان جواز الأكل وهي ساكتة عن حكم طهارة موضع العض ونجاسته.
ومنها : أن لا يكون الإطلاق منصرفا إلى بعض أفراده ، إذ يجب أن يكون الإطلاق متساويا بالنسبة إلى جميع الأفراد.
والحاصل : إنّه لا يجب على المتكلّم أن يكون دائما في مقام البيان من جميع الجهات ، بل يجوز له أن يكون في مقام البيان في الجملة كما تقدّم في المثالين ، فحينئذ لا يقبح منه
__________________
(١) المائدة : ٤.