لا بدّ منه في التكليف قد وصل من الشارع فلا تقبح المؤاخذة على ترك ما بيّنه تفصيلا ، فإذا شكّ في تحقّقه في الخارج فالأصل عدمه ، والعقل ـ أيضا ـ يحكم بوجوب القطع بإحراز ما علم وجوبه تفصيلا ، أعني : المفهوم المعيّن المبيّن المأمور به ، ألا ترى أنّه لو شكّ في وجود باقي الأجزاء المعلومة ، كأن لم يعلم أنّه أتى بها أم لا كان مقتضى العقل والاستصحاب وجوب الإتيان بها.
والفارق بين ما نحن فيه وبين الشبهة الحكميّة من المسائل المتقدّمة التي حكمنا فيها بالبراءة ، هو أنّ نفس متعلّق التكليف مردّد بين اختصاصه بالمعلوم وجوبه تفصيلا وبين تعلّقه بالمشكوك.
وهذا الترديد لا حكم له بمقتضى العقل ؛ لأنّ مرجعه إلى المؤاخذة على ترك المشكوك وهي قبيحة بحكم العقل.
فالعقل والنقل الدالّان على البراءة مبيّنان لمتعلّق التكليف من أوّل الأمر في مرحلة الظاهر ، وأمّا ما نحن فيه فمتعلّق التكليف فيه مبيّن معيّن معلوم تفصيلا ، لا تصرّف للعقل والنقل فيه ، وإنّما يشكّ في تحقّقه في الخارج بإتيان الأجزاء المعلومة ، والعقل والنقل المذكوران لا يثبتان تحقّقه في الخارج ، بل الأصل عدم تحقّقه ، والعقل ـ أيضا ـ مستقلّ بوجوب الاحتياط مع الشكّ في التحقّق.
____________________________________
لا بدّ منه في التكليف قد وصل من الشارع فلا قبح المؤاخذة على ترك ما بيّنه تفصيلا ... إلى آخره) ، فلا شكّ في وجوب الاحتياط في المقام إذا بعد تنجّز التكليف بمفهوم مبيّن معلوم تفصيلا وكون الشكّ في محصلة ؛ لأنّ مقتضى الاشتغال اليقيني هو الامتثال اليقيني ، والامتثال كذلك لا يحصل إلّا بإتيان الأكثر.
(والفارق بين ما نحن فيه وبين الشبهة الحكميّة من المسائل المتقدّمة التي حكمنا فيها بالبراءة) هو انحلال العلم الإجمالي بالتكليف فيها إلى علم تفصيلي بالنسبة إلى الأقلّ وشكّ بدويّ بالنسبة إلى الأكثر ، وعدم انحلاله في المقام.
ولهذا تجري البراءة النقليّة والعقليّة في المسائل المتقدّمة ؛ لأنّ مرجع حكم العقل بالاحتياط فيها إلى المؤاخذة على ترك المشكوك (وهي قبيحة بحكم العقل) ؛ لأنّ المأمور به بعد انحلال العلم الإجمالي يتعيّن في الأقلّ عقلا وشرعا ، فالأكثر يكون مشكوكا فلا يكون العقاب على تركه قبيحا عقلا.