قال سبحانه في قصة نوح حاكياً عن قول قومه : (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) (١) ، وكذا في قصة هود وصالح.
وقال سبحانه في قصة موسى : (فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً) (٢). (٣)
يلاحظ عليه بأنّ الظاهر هو انّ مرجع الضمير المتصل في «ظنّوا» هو الرسل المقدم عليه ، وإرجاعه إلى الناس على خلاف الظاهر ، وعلى خلاف البلاغة وليس في نفس الآية حديث عن هذا اللفظ (الناس) حتى يكون مرجعاً للضمير في «ظنّوا».
أضف إلى ذلك انّ ما استشهد به مما ورد في قصة نوح لا يرتبط بما ادّعاه فإنّ معنى (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) انّ الناس صوّروا نفس الرسل كاذبين وانّهم قد تعمّدوا التقوّل على خلاف الواقع ، والمذكور في الآية المبحوث عنها ليس كون الرسل كاذبين بل كونهم مكذوبين ، أي وعدوا كذباً وقيل لهم قولاً غير صادق وإن تصوّروا أنفسهم صادقين في ما يخبرون به ، وبين المعنيين بون بعيد.
الثالث : ما روي عن ابن عباس من أنّ الرسل لمّا ضعفوا وغُلبوا ظنّوا أنّهم قد أُخْلِفُوا ما وعدهم الله من النصر، وقال كانوا بشراً ، وتلا قوله : (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ). (٤)
وقال صاحب الكشاف في حق هذا القول : إنّه إن صح هذا عن ابن عباس ، فقد أراد بالظن ما يخطر بالبال ويهجس في القلب من شبه الوسوسة وحديث النفس على ما عليه البشرية ، وأمّا الظن الذي هو ترجح أحد الجائزين
__________________
(١) هود : ٢٧.
(٢) الإسراء : ١٠١.
(٣) الميزان : ١١ / ٢٧٩.
(٤) البقرة : ٢١٤.