منتظمة كمدارس أوربا الجامعة وكان عنده من مواد العلم ومعرفة الأمة والحكومة بقيمة صاحبه مثلما في أوربا.
وبالجملة إنك لم تكن تذاكره في شيء ولا علم إلا ويشاركك فيه على بصيرة.
عمله ووجهته :
كانت وجهته في كل عمل عمله أو حاوله هي المنفعة العامة. فأول شيء ولاه وجهه هو إنشاء جريدة في بلاد لم تكن تعرف الجرائد الأهلية ولم تكن بضاعة الكتاب رائجة فيها ، ولو كان في بلاده حرية للجرائد لكان له في (الشهباء) الأثر المحمود ، ولكن البلاد التي تحكم بالاستبداد كالأرض الموبوءة لا تحيا فيها الجرائد ، ولذلك لم تنجح جريدة من الجريدتين اللتين أنشأهما ، لأن نفسه الأبية لم تستطع إرضاء الحكام فيما يكتبه ، وهكذا كان شأنه في وظائفه.
ولي رياسة البلدية ، فكان أول عمل عمله للبلد أن وضع على طرق المدينة من خارجها سلاسل من الحديد تمنع الجمال التي كانت تسد الطرقات وتمنع المارين من التردد في حوائجهم ، وجعل لهذه الجمال التي تحمل إلى البلد ومنه مكانا أو أمكنة مخصوصة.
وكانت مصلحة القبّان قد حصرت في واحد من الأغنياء يأخذها من البلدية بالالتزام ولا يتجاسر على الزيادة عليه أحد لتقربه من الرؤساء ، فلما علم أن الرئيس الجديد لا يصده التقرب إليه عن خدمة المصلحة عرض عليه أربعين ألف قرش أو أكثر يعطيه إياها رشوة كل عام في مقابلة سكوته عنه ، فلم يقبل الفقيد أن يأخذ لنفسه شيئا ، ولكنه قبل أن يكون المبلغ إعانة لصندوق البلدية ، فعلم الوالي بهذه الزيادة في الصندوق وسعى في أن يكون له سهم منها ، فأبى عليه الفقيد ذلك فعزله.
وهكذا كانت سيرته مع الحكام في كل وظائفه أو جلها ، يتصرف للإصلاح فيصدونه عنه لأجل منفعة مالية أو لتقليل نفوذه فلا يتم له عمل.
وكل أول عمل عمله في إدارة مجلس البلدية هو قطع عرق الرشوة من العمال الذين يباشرون الأعمال والمصالح ويسمون (الجاويشية) ولكنه زاد في راتبهم لعلمه بأن الذي يضطر أكثر العمال إلى الرشوة هو قلة الراتب.