الحالي السيد يحيى الكيّالي ، فرممها وجعلها دارا للحفّاظ وعيّن لها ثلاثين طفلا يحفظون فيها القرآن العظيم ، وعيّن لذلك الحافظ المتقن الصالح الشيخ محمد بيازيد من خواص تلامذة الحافظ الشهير الشيخ شريف ، وهي إلى الآن على ذلك ولنعم العمل.
عودا إلى الترجمة :
ولما كان بمرعش أقرأ شرح الجزرية للقاضي زكريا ومعظم الجامع الصغير في الحديث وغير ذلك. وتوجه أثناء ذلك إلى الزيتونة فأقام فيها مدة خشية من تعديات الأرمن القاطنين في تلك النواحي ، فكان يقرأ دروسا عامة للجنود المرابطة هناك. وحصل وهو هناك مرض الحمى (التيفوئيد) وانتشر في الجيش وفتك فيه فتكا ذريعا ، فكتب القائد هناك إلى مقر قائد الغرفة في حلب ، لأنه كان مرتبطا به بما حصل فطالت المدة ولم يأت الجواب ، فكتب المترجم كتابا إلى عزة باشا العابد الكاتب الثاني للسلطان عبد الحميد شرح فيه الحالة ، فأطلع عزة باشا السلطان على هذا الكتاب ، وحينئذ صدر الأمر بالمبادرة لتأسيس مستشفى للجنود بمرعش ، وأنجز ذلك بمدة وجيزة ، وساعد أهل الخير في مرعش بإهداء هذا المستشفى كثيرا من اللحف والفرش والثياب للجنود.
وفي سنة ١٣٢٤ عاد إلى حلب وسكن في محلة آقيول ، وصار يقرأ دروسا في مسجد العريان الكائن في هذه المحلة. وصادف سقوط الجدار القبلي في هذا المسجد لتهاون المتولي عليه في أمر عمارة المسجد ، فطلب منه أهل المجلة أن يسعى في عزله ونصب غيره ليقوم بأمر هذا المسجد ووقفه ، وهكذا حصل. ولما لم تكن واردات وقف هذا المسجد كافية جمع من أهل البر والإحسان مبلغا رمم فيه ذلك الجدار ، وعمر فيه حجرا جعلت مدرسة وحوض ماء إلى غير ذلك ، وثابر على قراءة الدرس فيه (١).
ثم حصل في أثناء ذلك الانقلاب العثماني ، وذلك في سنة ١٣٢٦ ، وصارت الفتن تنسل من كل حدب ، فكان للمترجم اليد البيضاء في تهدئة الخواطر والحض على لزوم الألفة والاتحاد ، وألقى خطبا كثيرة في هذا الموضوع في أنطاكية والإسكندرونة وإدلب والمعرة وغيرها من معاملات حلب.
__________________
(١) بعد أن غادر المترجم الشهباء أهمل أمر هذا المسجد وتلك المدرسة ، فاتخذها الخطاط الشهير الشيخ محمد علي الخطيب لتعليم مبادىء العلوم وتجويد الخط ، وهو فيها إلى هذه السنة وهي سنة ١٣٤٥.