وبعد أشهر عيّن إلى نظارة الدروس في المدرسة الحربية الإعدادية في (أدرنة) ، فأحب أحمد فيضي باشا أن يقنعه بالبقاء معه ووعده بترقيته بوقت قريب إلى رتبة عالية ، فاعتذر منه ورجاه أن لا يكون حائلا دون نقله إلى (أدرنة) فغادر البلاد اليمانية ودخل القاهرة متنكرا ، وهناك اجتمع مع بعض العارفين. ثم أتى إلى حلب لزيارة أهله وإخوته ، فبقي شهرا ثم سافر إلى أدرنة ، فبقي فيها مدة وجيزة ، وهناك رفّع إلى رتبة (قائمقام).
وكانت النار تشتعل شيئا فشيئا في البلقان تحت الرماد ، والمذاكرات الدولية تجري في العواصم الأوروبية بصورة خفية في أمر البلقان وتقسيم الدولة العثمانية ، وكان ضباط الأتراك والأمراء في الجيوش العثمانية يراقبون تلك المذاكرات والمقابلات الدولية عن بعد بأنواع الوسائل ويدركون نتائجها الوخيمة ، فبادروا لإعلان الدستور رغم إرادة السلطان عبد الحميد وحواشيه.
فبعد إعلانه بزمن قليل دعي المترجم إلى نظارة الحربية ، وكان الناظر إذ ذاك المشير علي رضا باشا ورئيس الأركان الحربية عزة باشا اللذين كانا حوصرا في صنعاء معا ، فشرع مع لجنة خاصة بتنظيم القوانين العسكرية وتجديدها حسبما تقضيه الترقيات العسكرية وتتطلبه الأوقات الحاضرة وإرسالها إلى مجلس المبعوثين والأعيان للتصديق عليها. وكانت الدسائس الأجنبية تلعب أدوارها ، وتنثر تلك الدول الذهب الوهاج إلى الجمعيات السرية والعلنية المتشكلة في الآستانة والبلقان وكثير من البلدان من جهة ، والسلطان عبد الحميد وحواشيه يوغرون صدور الأمراء والضباط الذين حرموا وظائفهم وفقدوا نفوذهم وغطرستهم ، وقد كان أكثرهم من [الآلايجية] أي غير المأذونين من المدارس العسكرية ، فكان نتيجة ذلك حصول فتنة ٣١ مارت سنة ١٣٢٥ ، وصارت بها الآستانة شعلة نار. وقد بسطت هذه الحادثة الجرائد في حينها ودونت في الكتب.
وكانت في تلك الأيام العصيبة جماعة مدفوعون من قبل الجمعيات المتشكلة ضد الحكومة الدستورية يأتون إلى أبواب منازل الاتحاديين ويضعون إشارة عليها بالفحم أو بالتباشير ليرسل إليهم ليلا أناس يغتالونهم. ففي بعض الأيام وجد المترجم تلك الإشارة على باب منزله في (كدك باشا) فاستقصى الأمر فأدرك المغزى ، فغادر المنزل إلى أقسراي فاختفى في دار امرأة عجوزة مدة إلى أن حضر محمود شوكت باشا إلى الآستانة بجيوشه