الجرارة ودخل الآستانة عنوة وخلع السلطان عبد الحميد وأجلس السلطان محمد رشاد وسكنت تلك الفتن ، وعين لمنصب الصدارة حقي باشا ، وهذا أيضا اعتمد غاية الاعتماد على المترجم لما رآه فيه من الجد والنشاط وفرط الغيرة والإقدام ، فكان يوليه مهام الأمور ورقاه إلى رتبة (ميرالاي). وبعد مدة وجيزة أظهرت الدولة الإيطالية نواياها تجاه طرابلس الغرب ، فساقت إليها جنودها وأساطيلها ، وعندئذ أعلن الحرب بينها وبين الدولة العثمانية ودامت نحو سنة.
وكانت إيطاليا في أثناء ذلك تسعى السعي الحثيث في إيقاد نيران الفتنة والعصيان في البلقان لتشغل الدولة العثمانية عنها فتحول نظرها عن طرابلس الغرب إلى البلقان ، فظهرت فتنة الأرنؤوط وأعقبتها طغيان الماليسور في ولاية أشقودرة ، وانتشرت شرارات الفتنة إلى بلاد الأرنؤوط الجنوبية حتى حدود اليونان. فانتهزت عصابات البلغار والصرب واليونان هذه الفرص الثمينة ، وطفقت تنسل من كل حدب ، وصارت تأتي بأنواع الفظائع ، والدول الغربية تشجعها وتمدها مادة ومعنى ، فاضطرت عندئذ أن تقبل الدولة العثمانية مطاليب الأرنؤوط الأربعة عشر ، وكان أولها إسقاط الوزارة وفسخ مجلس المبعوثين ، فسقطت وزارة حقي باشا وأعقبتها وزارة سعيد باشا ، ثم ما لبثت أن سقطت وخلقتها وزارة الغازي أحمد مختار باشا.
ظن هذا الشيخ الهرم أنه يتمكن من حل تلك المشكلات العظيمة بالطرق الحكمية بالاتفاق مع الدول الغربية وتوسطهم ، واغتر بمواعيدهم الخلابة ، فأمر بصرف الجيش النظامي المحتشد في ولايات البلقان المجهز بأنواع الأسلحة من الطراز الأخير ، وكان يبلغ ١٥٠ ألفا ، وعندئذ قام غير المسلمين من عناصر (الأسلاو) في قضاء برانة والتحقوا بعصاة الماليسوريين في ولاية أشقودرة وأخذوا اعتبارا من ١٤ تموز سنة ١٣٢٨ رومية يحرقون الحصون التي على الحدود ويتجاوزون على الأطراف ويسفكون دماء الأبرياء وينهبون ويسلبون. فأرسلت حينئذ دولة النمسا قرارا إلى الدولة العثمانية يحتوي على مادتين مصدقتين من قبل الدول العظمى ، وخلاصتهما إعطاء الحكم الاختياري إلى كل من مكدونيا وبلاد الأرنؤوط ، فاستقالت عندئذ وزارة أحمد مختار باشا وخلفتها وزارة كامل باشا الصدر المشهور.