وكان ناظم باشا وزيرا للحربية في هذه الوزارة ، وكان شديد البغض والعداوة لمحمود شوكت باشا فاتح الآستانة ولا يركن إلى حواشيه ومعتمديه. فصادف ذات يوم أن المترجم محمود كامل باشا ذهب مع بعض أصدقائه وإخوانه إلى (حريت أبدية تبه) وهو موضع قتل فيه بعض ضباط الاتحاديين يوم حادثة ٣١ مارت سنة ١٣٢٥ ، وتبعهم بعض جواسيس الوزارة ونفر من مخابري الجرائد [الاتحاديين والائتلافيين] فأبّن هؤلاء القتلى بخطبة وجيزة خالية عن كل مغزى سياسي ، فما مضى على ذلك بعض ساعات إلا وانتشرت تلك الخطبة في الجرائد بحذافيرها ، وصارت جرائد الاتحاديين تحبذها وجرائد الائتلافيين تبني عليها القصور والعلالي ، واتصل الخبر بالصدر كامل باشا ووزير الحربية ناظم باشا وقامت في الوزارة ضجة أصبح كل واحد من المجتمعين يوجس خيفة في نفسه من هذا الاجتماع.
وعقب ذلك بلغ ناظم باشا للمترجم أنه عينه قائدا إلى أشقودرة على جيوش القلاع والحصون ، وأنه ينبغي أن يبارح الآستانة في الحال ، فلم يجد بدا من امتثال الأمر ، فلم يصل إليها إلا بشق الأنفس ، وتعرض في طريقه لجلائل الأخطار. وقبل وصوله بأيام قلائل كانت أكثر قرى أشقودرة ومعاملاتها سقطت في يد العدو وفي أيدي العصابات ، وكان قائد الجيوش المرتبة أسعد باشا الطابطائي أحد كبار الأرنؤوط ذوي النفوذ ، وكان رئيس عشيرة ومقدما زمن السلطان عبد الحميد ، والوالي وقائد الفرقة فيها حسن رضا باشا ، وكان يسعى ضمنا وراء استقلال بلاده.
وفي ذلك الوقت أعلن الحرب رسميا بين الدولة العثمانية وبين دول البلقان الأربع البلغار والصرب وقره طاغ [الجبل الأسود] واليونان اعتبارا من ١٩ أيلول سنة ١٣٢٨ ، وتجاوزت عساكرها حدود البلاد العثمانية. وكانت العصابات قبل ذلك منتشرة في أنحاء البلقان تقطع الطرق وتنهب القوافل وتعيث فسادا في تلك الربوع ، فلم تكن عشية أوضحاها إلا وجيوش الدولة العثمانية تبعثرت وتشتت ، منها من فر ومنها من أصبح أسيرا ومنها من قتل ، وصارت أكثر بلاد الرومللي وما فيها من أنواع الأسلحة والذخائر الحربية في قبضة الأعداء. ثم زحفت جيوش الدول الأربع نحو الآستانة وامتلكوا في طريقهم بلدتي (قرق كليسا) و (لوله بور غاز) اللتين هما بمثابة مفتاحين للآستانة ، وأصبحت جيوش الأعداء أمام جتالجة ، فتفاقم عندئذ الأمر وعظم الخطب وقامت قيامة الآستانة واضطرب أهاليها أيما اضطراب ، وامتد ذلك الاضطراب إلى جميع البلاد العثمانية. فعقد حينئذ في القصر