على العدو ، وكان كل من الجيشين متحفزا للوثوب على الآخر ، فتردد القائد فسيق في الحال إلى التقاعد. وابتدأ الزحف على جيش الروس ولكنه لم يفلح ، ووقعت فرقتان أسرى بيد الروس ، فانكسر جيش الدولة العثمانية وارتد قليلا وأخذ في المدافعة. ورجع أنور باشا إلى الآستانة وعين حقي باشا الداماد قائدا عاما ، لكنه على إثر وصوله إلى الجبهة وقع في الحمّى التيفوئيدية التي كانت تفتك بالجيش ، وبعد ساعات معدودات اغتالته يد المنون.
ففي الحال عين مكانه محمود كامل باشا ، وبارح الآستانة على جناح السرعة فوصل إلى الجبهة في ٢٦ شباط سنة ١٣٣٠ رومية ، فرأى الجيش في حالة غير مرضية وقوته المعنوية خائرة ، فأخذ في إصلاح خلله ، وسعى في جلب الكثير من المؤن والأطباء والأدوية اللازمة.
وكان مقدار الباقي من الجيش العثماني لا يزيد عن عشرين ألفا ، وعدد جيش الروس ثمانين ألفا ، فاتخذ خطة الدفاع وأخذ يخابر العاصمة ويشرح الحالة لنظارة الحربية ويطلب الإمدادات الكافية ، ولكن كان لا يجاب على طلباته كما يرغب ويريد ، ولسان حال العاصمة يقول : (لا ألهينّك إني عنك مشغول) (١).
والسبب في ذلك ما كانت تلاقيه الآستانة من تزايد الضغط من جانب عساكر الدول المؤتلفة (وهي الدولة الإنكليزية والإفرنسية والإيطالية واليونانية) في سائر المواقع الحربية خصوصا في موقع (جناق قلعة) ، فكان معظم الإمدادات تساق إليها لأنها بمثابة القلب من جسم الدولة العثمانية.
فلما رأى محمود كامل باشا حراجة موقفه وأن المكاتبات لم تجده نفعا استأذن في العودة بنفسه ليوضح للنظارة أمورا هامة ليست بالحسبان ، فأذن له في الحضور ، فوكل وقتئذ أحد القواد الذين كانوا في معيته وذهب إلى الآستانة ، وبينما كان هناك إذ فر أحد من لا خلاق لهم من الضباط المرابطين في الحدود والتجأ إلى جانب العدو ، وأخبر قواد الروس عن حالة جيش الدولة العثمانية وأطلعهم على مقدار عدده وعدده وعن نقاط التعبئة وحالة الاستحكامات ، وشرح لهم كل ما يقوي عزائمهم ويدعوهم إلى استعمال خطة الهجوم.
__________________
(١) هو عجز بيت لكعب بن زهير ، وصدره : وقال كل خليل كنت آمله.