ولم يقف عند هذا الحد بل شرح لهم ما وصل إليه علمه ومعرفته عن سائر الجيوش العثمانية. فما كان عشية أو ضحاها إلا وعساكر الروس بدأت بالزحف العنيف والهجوم الشديد على (أرزن الروم) وسائر المواقع الهامة ، وقامت عندئذ الحرب على ساق وحمي الوطيس ، وأخذت عساكر الدولة العثمانية تنسحب إلى الوراء ، فسقطت (أرزن الروم) وكثير من المواقع بيد الأعداء.
وطار نبأ ذلك إلى العاصمة ، فعاد محمود كامل باشا إلى المعسكر بأسرع من البرق ووصل إلى أرزنجان فوجد الحالة تعيسة جدا ، فأخذ ينظم الوضعية ويصلح حالة الجيش ، وكانت الإمدادات بدأت ترد إليه ، فأوقف زحف العدو مؤقتا ، واتخذت أرزنجان مدارا للحركات الحربية بدلا من (أرزن الروم) وطلب من الآستانة أن تجهز إليه جيشا جرارا لينهض إلى استعادة (أرزن الروم) والمواقع التي استولت عليها الجيوش الروسية ، فأجيب طلبه هذا وتحرك قسم من الجيش الجديد نحو الفيلق الثالث أي فيلق القفقاس. وبينما كان هذا الجيش يسير في الطريق وقد وصل إلى قيصرى ، وهي في منتصف الطريق ، وإذا بعساكر الدولة المؤتلفة التي يبلغ مقدارها ١٧٠ ألفا عدا ما كان يتوارد إليها كل يوم من الإمدادات العظيمة أخذت تضايق موقع جناق قلعة من البر والبحر بصورة هائلة تذهل لها العقول وتشيب منها الأطفال ، وصارت بواخرها الحربية الضخمة التي يربو عددها على مائة تصلي القلاع والحصون هناك نارا حامية ليلا ونهارا بلا انقطاع بحيث لم يشهد التاريخ مثلها ، قاصدة بذلك خرق خليج الدردنيل والعبور إلى بحر مرمرة لتحتل الآستانة ، فيكون في ذلك انتهاء الحرب.
وكانت تلك البواخر الراسية هناك إنكليزية وإفرنسية ويونانية وإيطالية وأميركانية ، لكن لم يشترك بالضرب إلا الثلاثة الأول ، فهناك أبلى مصطفى كمال بك (باشا) بلاء حسنا وأظهر شجاعة وبسالة يشهد بذلك له التاريخ. وقد كان قائدا في معية (فون ساندروس باشا الألماني) القائد العام لتلك المواقع. ولم تفلح الدول المؤتلفة بهجومها هذا ، بل خسرت به ألوفا من الجند وفقدت غرقا أكثر من إحدى عشرة باخرة حربية ضخمة وغير ضخمة في مدخل الدردنيل ، وهذه المواقع الهائلة مشهورة معلومة لدى جميع الناس.
وقبيل هذه المهاجمات العنيفة أمر أنور باشا الجيوش التي كانت سائرة في الطريق مددا