للفيلق الثالث المقيم في أرزنجان بأن تعود إلى الآستانة ، وكتب إلى محمود كامل باشا مخبرا له عن الحالة على وجه التفصيل ، وكلفه أن يتخذ خطة الدفاع لا غير ، وإذا تعرض جيش الروس لجيشه أن يقاوم على قدر الإمكان ، وإذا لم يستطع الوقوف والثبات أن يرجع إلى الوراء بانتظام ويدافع بكل ما يمكنه من وسائل الدفاع ويعرقل تقدم الجيش ومتابعته إلى أن يصل إلى جبال طوروس عند مرعش وعينتاب. فامتثل الأمر ، لكن بعد احتلال الروس لأرزن الروم لم تحدث وقائع حربية تذكر ، بل حدثت مناوشات ليست بذي بال.
ولكن لم يكن سكوت الروس عبثا ، بل كانوا يجهزون عدة جيوش جرارة لترسل جيشا إلى أرزنجان وجيشا إلى الأناضول لتحتل بهما سيواس فمرعش فالإسكندرون من جهة ، وخرت برت ويالو وديار بكر من جهة أخرى.
وفي هذه الأثناء اعترى محمود كامل باشا مرض لم يستطع معه البقاء هناك ، فطلب الاستقالة فأجيب ، وعاد إلى الآستانة وعين مكانه وهيب باشا ، وعين أحمد عزة باشا المشير إلى ديار بكر مركز الفيلق الثاني ، وكل منهما حضر إلى مركز قيادته واستلم القيادة.
وبعد مدة يسيرة استؤنفت الحرب من جانب الروس في الجهتين ، فأخذت عساكر الدولة العثمانية ترجع إلى الوراء ، وكان الضغط على جبهة المشير عزة باشا أشد ، فسقطت سيواس والبلدان التي في طريقها ، وفي الشمال سقطت طربزون وتوابعها ، ووصلت جيوش الروس من الجنوب إلى جبال يالو قاصدة احتلال ديار بكر ، وهناك جرت معارك عظيمة أريقت فيها الدماء من الطرفين كالأنهار ، وكان النصر في الغالب في جانب عزة باشا ، وكان رئيس أركان حرب هذا الجيش عصمت بك (باشا) الذي اشتهر أخيرا في الحروب اليونانية.
وعلى أثر ذلك اعترى جيش الروس سكوت ولم يبد أقل حركة في جبهتي الحرب ، وصار ترد خفية مناشير من جانب الروس إلى عساكر الدولة العثمانية في الجبهتين تحض على ترك السلاح وتظهر فيها عبارات التودد وتقبح فيها الحرب وتشتم من كان سببا لإضرام نيرانها ، ولكن أمراء الدولة كانوا لا يصدقون بذلك ولا يركنون إليها ويظنون أنها خدع حربية وأشراك يقصدون وقوع العساكر العثمانية فيها.
ولم يمض بعد ذلك أيام قلائل إلا وقامت القيامة في عاصمة الروس ، واختلط فيها