حفيظة أهالي البلاد وانضمام كثير من الجنود السوريين وضباطهم من أهالي سورية والعراق إلى الأمير فيصل نجل الشريف حسين أمير مكة ، حيث كان قد أتى بمن معه من عرب الحجاز إلى جهة معان والعقبة منضما إلى الجيوش الإنكليزية التي كانت تحارب الدولة العثمانية في جهة ترعة السويس ، حينئذ قدم استقالته مرارا ، وأخيرا قبل منه ذلك وعاد إلى الآستانة وكلف أنور باشا لمحمود كامل باشا المترجم عدة مرات مصرا عليه أن ينوب مكان جمال باشا ، فلم يوافقه ويعتذر له علما منه بأن الخرق قد اتسع على الراقع في هذه البلاد ولا يمكن سده مهما استعمل فيه الإنسان من ضروب المهارة وأساليب السياسة ، فعين مصطفى كمال باشا صاحب الوقائع الشهيرة في البلاد الأناضولية مع الدولة اليونانية ، فحضر لهذه البلاد بجنوده واستلم القيادة.
حينما حضر كانت البلاد في جبهتي فلسطين والعراق تتساقط ، وجيوش الدول المؤتلفة تتقدم نحو الشمال ، وحالة جيش الدولة العثمانية ليست على ما ينبغي ، وعم الخلل سائره ، وذلك لما لاقته الجنود من الجوع والعري وعدم العناية في الأمور الصحية في طعامهم وشرابهم وكسوتهم ومبيتهم ، في حين أن القواد والضباط كانوا يتناولون أطيب المآكل ويشربون أعذب المشارب ويعطون أنفسهم ما تشتهيه من اللذائذ وامتلأت جيوبهم وجيوب من لاذ بهم بالأصفر الوهاج الذي صب عليهم من البلاد الألمانية ، وكان يأتيهم بالشاحنات وبما كانوا ينهبونه من أرزاق الجنود ويأخذونه من الرشوة من الأهالي في تعهدات المآكل والذخائر وفي سبيل التخلص من التجند ، وذلك مما لا يمكن إحصاؤه ولا يدخل تحت حصر. وإن جيشا هذه صفة قواده وأمرائه وتلك حالة جنوده لا ريب أن نصيبه الفشل ومصيره إلى الخذلان والانكسار ، فللأسباب المتقدمة وهذه الأحوال التي لا تطاق ولا يمكن أن تتحمل اضطر الكثير من الجنود السوريين والعراقيين الذين كانوا في صفوف عساكر الجيوش العثمانية أن يفروا مع بعض ضباطهم السوريين والعراقيين وينضموا إلى الأمير فيصل الذي هو ملك البلاد العراقية الآن ويقاتلوا معه جنبا إلى جنب.
وبينما كانت الحالة العامة في هذه البلاد على هذه الصورة إذ بعساكر البلغار التي كانت تقاتل مع الجيوش الألمانية والنمساوية والتركية للجيوش الإنكليزية والروسية والإفرنسية والإيطالية واليونانية والصربية بدأت تترك أسلحتها في جهات الرومللي وتجاهر بعدم دخولها في صفوف الحرب ، وعقدت في الحال محالفة مع دول الائتلاف ، وهي الدول المتقدمة