عانوه من مشقة الهرب وغيروا ملابسهم ونظموا هيئتهم ثم استأنفوا السفر ، فمنهم من سافر إلى إزمير ومنهم من سافر نحو الشمال إلى ألمانيا وهم متنكرون.
أما محمود كامل باشا فإنه اختار السفر إلى ألمانيا ، فوصل إلى برلين واجتمع مع بعض أصحابه وأصدقائه. ولم تطب له هناك الإقامة لأسباب سياسية فبارحها إلى مونيخ ، وهناك حصل بينه وبين بعض الأطباء المصريين معرفة ، وصار هذا الطبيب لا يفارقه ليلا ونهارا وأحبه حبا جما ولقي من حسن صنيعه ما يعجز القلم عن وصفه.
ثم سمع به طبيب آخر ألماني الأصل حلبي المولد ، فسعى أياما إلى أن اجتمع به ودعاه إلى منزله وأصر عليه إلى أن أجابه.
وكان محمود كامل يخرج في بعض الأيام ويتجول متنكرا في بعض بلدان الألمان ويزور مكاتبها المشهورة ومتاحفها ودور صنائعها ويروح النفس ثم يعود إلى مونيخ. وبينما هو على ذلك إذ اعتراه مرض أدى به إلى الدخول إلى المستشفى في مونيخ ، وبقي مدة تزيد عن شهرين يطببه هناك أشهر الأطباء ويعتنون به تمام الاعتناء ، وكان هذان الطبيبان لا يفارقانه في المستشفى ويعتنيان به ويكرران الوصية لمن كان هناك من الأطباء في أمر تطبيبه.
ندع محمود كامل باشا في هذا المستشفى يقاسي أنواع الآلام والسقم ونرجع إلى المشكلة الأناضولية فنقول : إن مصطفى كمال ومن التف حوله من القوى الملّية لما لم ينالوا تمام مطالبهم ، فكانوا يصرون كل الإصرار على تطبيق الميثاق الملّي بحذافيره ، ويكلفون السلطان والوزراء بقبوله بلا قيد ولا شرط ، وينذرون الدول المؤتلفة بالجلاء عن الآستانة وغيرها من الولايات التي احتلوها ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى كانت الحرب قائمة على قدم وساق بينهم وبين الدولة الإفرنسية في كيليكيا ، وكان أشدها في جهات مرعش وعينتاب وكلّس ، وكانت كيليكيا وهذه البلاد تحت الاحتلال الإفرنسي. ولم تكن هذه المحاربات محاربات دولية منظمة ، بل كانت بالنسبة للقوى الملّية محاربة عصابات مع جيوش منظمة وافرة الأعتاد والعدد ، وبقيت عينتاب في ذلك الحين محاصرة ثمانية أشهر ، وكان أهلوها يدافعون عنها دفاع المستميت ، إلى أن نفد ما عندهم من الزاد ولم يبق عندهم شيء من الذخائر ، فاضطروا إلى الاستسلام تحت شروط ملائمة لمصلحتهم حسب الإمكان ، وكان